منتدى لمسات سورية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    الزهد والفقر

    سوريا الله حاميها
    سوريا الله حاميها
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 701
    نقاط : 1112
    السٌّمعَة : 53
    العمل/الترفيه : محاسب
    المزاج : رايق

    الزهد والفقر Empty الزهد والفقر

    مُساهمة من طرف سوريا الله حاميها الإثنين 14 فبراير - 15:42


    الزهد والفقر

    اعلم‏:‏ أن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وبعضها أسباب كل طاعة، وقد سبق ذم الدنيا في ربع المهلكات، ونحن نذكر الآن فضل البغض لها والزهد فيها، فإنه رأس المنجيات‏.‏ ومقاطعتها إما أن تكون بانزوائها عن العبد ويسمى ذلك فقراً، وإما بانزواء العبد عنها، ويسمى ذلك زهداً، ولكل واحد منهما درجة في نيل السعادات، وحظ في الإعانة على الفوز والنجاة‏.‏ ونحن نذكر الفقر، والزهد، ودرجاتهما، وأقسامهما، وما يتعلق بهما في شطرين‏:‏

    الشطر الأول من الكتاب في الفقر‏:‏
    اعلم‏:‏ أن الفقير إلى الشيء هو المحتاج إليه، وكل موجود سوى الله تعالى فهو فقير، لأنه محتاج إلى دوام الموجود، وذلك مستفاد من فضل الله تعالى‏.‏وأما فقر العبد بالإضافة إلى أصناف حاجاته فلا يحصر، ومن جملة حاجاته ما يتوصل إليه بالمال، ثم يتصور أن يكون له خمسة أحوال عند فقرة‏:‏
    الأولى‏:‏ أن يكون بحيث لو أتاه المال لكرهه وتأذى به، وهرب من أخذه بغضها له واحترازاً من شره وشغله، وصاحب هذه الحالة يسمى زاهداً‏.‏
    الحالة الثانية‏:‏ أن يكون بحيث لا يرغب فيه رغبة يفرح بحصوله، ولا يكرهه كراهه يتأذى بها، وصاحب هذه الحالة يسمى راضياً‏.‏
    الثالثة‏:‏ أن يكون وجود المال أحب إليه من عدمه لرغبة له فيه، ولكن لم يبلغ من رغبته أن ينهض لطلبه، بل إن أتاه عفواً أو صفواً أخذه وفرح به، وإن افتقر إلى تعب في طلبه لم يشتغل به‏.‏ وصاحب هذه الحالة يسمى قانعاً‏.‏
    الرابعة‏:‏ أن يكون تركه للطلب لعجزه، وإلا فهو راغب فيه، لو وجد سبيلاً إلى طلبه بالتعب لطلبه، وصاحب هذه الحالة يسمى الحريص‏.‏
    الخامسة‏:‏ أن يكون مضطراً إلى ما قصده من المال، كالجائع، والعاري الفاقد للمأكول والملبوس‏.‏ ويسمى صاحب هذه الحالة مضطراً، كيفما كانت رغبته في الطلب ضعيفة أو قوية‏.‏
    وأعلى هذه الخامسة‏:‏ الحالة الأولى، وهى‏:‏ الزهد، ووراءها حالة أخرى أعلى منها، وهى أن يستوي عنده وجود المال وعدمه، فإن وجده لم يفرح به، ولم يتأذ إن فقده، كما روينا عن عائشة رضى الله عنها أنها جاءها مال في غرارتين (1)‏ ،ففرقته في يومها، فقالت لها جاريتها‏:‏ أما استطعت أن تشترى لنا مما قسمت لحماً بدرهم نقطر عليه‏؟‏ فقالت‏:‏ لو ذكريني لفعلت‏.‏فمن هذه حاله لو كانت الدنيا بحذافيرها في يده لم تضره، إذ هو يرى الأموال في خزانة الله تعالى، لا في يد نفسه‏.‏
    وينبغى أن يسمى صاحب هذه الحالة المستغنى، لأنه غنى عن عند فقد المال وجوده جميعاً، ومتى كان الزاهد في الدنيا لا يرغب في وجودها، ولاعدمها، فهو في غاية الكمال‏.‏قال أحمد بن أبى الحواري لأبى سليمان الدارانى‏:‏ قال مالك بن دينار للمغيرة‏:‏ اذهب إلى البيت فخذ الزكاة التي أهديتها لى، فإن الشيطان يوسوس لى أن اللص قد أخذها ، فقال أبو سليمان‏:‏ هذا من ضعف الزهد، هو قد زهد في الدنيا ما عليه من أخذها‏.‏ فالهرب من المال والزهد فيه في حق الضعفاء كمال، فآما في حق الأنبياء والأقوياء، فسواء عليهم وجوده وعدمه‏.‏ وقد يظهر القوى النفار من المال ليقتدي به الضعفاء في الترك، والله أعلم‏.‏
    ـ فصل في فضيلة الفقر وتفضيل الفقر على الغنى
    أما الآيات فقد قال الله تعالى فى معرض المدح فى حق الفقراء‏:‏ ‏{‏للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله‏}‏ الآية‏[‏البقرة‏:‏ 273‏]‏‏.‏ وقال‏:‏‏{‏للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏الآية ‏[‏الحشر‏:‏8‏]‏‏.‏ وأما الأخبار فكثيرة، منها‏:‏ قول صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء، إلا أن أصحاب الجد محبوسون‏"‏ وذكر تمام الحديث‏.‏ وهو في‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏وفيهما من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً‏"‏‏.‏ وفيهما من حديث عائشة رضى الله عنها قالت‏:‏ ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض ‏.‏
    وفي أفراد مسلم من حديث عمر رضي الله عنه قال ‏:‏ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يظل اليوم يتلوي ما يجد دقلا ‏(‏‏(‏الدقل‏:‏ أردأ التمر‏)‏‏)‏ يملأ بطنه ‏.‏ وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ‏:‏ ‏"‏ يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام ‏"‏ وقال الترمذي ‏:‏ حديث صحيح ‏.‏ وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة رضي الله عنها ‏:‏ ‏"‏ إياك ومجالسة الأغنياء ‏"‏ ‏
    وقال ‏:‏ يؤتى بالعبد يوم القيامة فيعتذر الله عز وجل إليه كما يعتذر الرجل إلى الرجل فى الدنيا، فيقول‏:‏ وعزتي وجلالى ما زويت الدنيا عنك لهوانك على، ولكن لما أعددت لك من الكرامة‏.‏ اخرج يا عبدى إلى هذه الصفوف، فمن أطعمك أو كساك يريد بذلك وجهي، فخذ بيده فهو لك ‏"‏ ‏.‏ وقيل لموسى عليه السلام‏:‏ إذا رأيت الفقر مقبلاً، فقل‏:‏ مرحباً بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلاً فقل‏:‏ ذنب عجلت عقوبته‏.‏وقال أبو الدرداء‏:‏ حساب ذي الدرهمين اشد حساباً من ذي الدرهم‏.‏وكان الفقراء يتقدمون فى مجلس ‏ الثوري على الأغنياء‏.‏وجاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم بعشرة آلاف درهم فلم يقبلها، وقال‏:‏ تريد أن تمحو اسمي من ديوان الفقراء ‏!‏‏؟‏ لا أفعل‏.‏ وقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏طوبى لمن هدى إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً، وقنع بما آتاه عز وجل‏"‏‏.‏ وقد ذكرنا فى القناعة وذم الحرص والطمع فى كتاب ذم المال ما يغنى عن الإعادة، ولا يقدر على ذلك إلا بعد القوة الصبر‏.‏وأما التفضيل بين الغنى والفقير، فظاهر النقل يدل على تفضيل الفقير، ولكن لابد من تفصيل، فنقول‏:‏ إنما يتصور الشك والخلاف فى فقير صابر ليس بحريص بالإضافة إلى غنى شاكر ينفق ماله فى الخيرات، أو فقير حريص مع غنى حريص، إذ لا يخفى أن الفقير القانع الحريص، فإن كان متمتعاً بالمال فى المباحات، فالفقير القنوع أفضل منه‏.‏وكشف الغطاء فى هذا أن ما يراد لغيره، ولا يرد لعينه، ينبغي أن يضاف إلى مقصوده، إذ به يظهر فضله، والدنيا ليست محذورة لعينها، بل لكونها عائقة عن الوصول إلى الله تعالى، والفقر ليس مطلوباً لعينه، ولكن لأن فيه فقد العائق عن الله تعالى، وعدم التشاغل عنه‏.‏وكم من غنى لا يشغله عن الله تعالى، كسليمان عليه السلام، وكذلك عثمان ‏ وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما‏.‏وكم من فقير شغله فقره عن المقصود، وصرفه عن حب الله تعالى والأنس به، وإنما الشاغل له حب الدنيا، وإذا لا يجتمع معه حب الله تعالى، فإن المحب للشيء مشغول به، سواء كان فى فراقه، أو فى وصاله، بل قد يكون شغله فى الفراق أكثر‏.‏والدنيا معشوقة الغافلين، فالمحرم منها مشغول بطلبها، والقادر عليها مشغول بحفظها والتمتع بها‏.‏ وإن أخذت الأمر باعتبار الأكثر، فالفقير عن الخطر أبعد، لأن فتنة السراء أشد من فتنة الضراء، ومن العصمة أن لا تجد، ولما كان ذلك طبع الآدميين إلا القليل منهم، جاء الشرع بذم الغنى وفضل الفقر‏.‏ وقد تقدم ما يدل على فضله‏.‏
    ومن ذلك ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ التقى مؤمنان على باب الجنة ‏:‏ مؤمن غنى، ومؤمن فقير، كانا فى الدنيا، فأدخل الفقير الجنة، وحبس الغنى ما شاء الله تعالى أن يحبس، ثم أدخل الجنة، فلقيه الفقير، فقال‏:‏ أي أخي‏:‏ ماذا حبسك‏؟‏ والله لقد احتبست حتى خفت عليك، فقال‏:‏ ‏:‏ أي أخي حبست بعدك محبسا قطيعاً كريهاً، وما وصلت إليك حتى سال منى العرق ما لو ورده ألف بعير كلها آكلة حمض، لصدرت عنه رواء‏"‏ ‏
    واعلم‏:‏ أن فراق المحبوب شديد، فإذا أحببت الدنيا، كرهت لقاء الله تعالى، فيكون قدومك بالموت على ما تكرهه، وفراقك لما تحبه، وكل من فارق محبوباً كان أذاه فى فراقه بقدر حبه له وأنسه به، فينبغي أن تحب من لا يفارقك، وهو الله تعالى، ولا تحب الدنيا التي تفارقك‏
    ]

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 19 أبريل - 4:05