منتدى لمسات سورية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    عبّر عن حبك وحنينك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريقة التي تشاء

    سوريا الله حاميها
    سوريا الله حاميها
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 701
    نقاط : 1112
    السٌّمعَة : 53
    العمل/الترفيه : محاسب
    المزاج : رايق

    عبّر عن حبك وحنينك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريقة التي تشاء Empty عبّر عن حبك وحنينك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريقة التي تشاء

    مُساهمة من طرف سوريا الله حاميها الإثنين 21 فبراير - 11:45

    احد خطب الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي

    عبّر عن حبك وحنينك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريقة التي تشاء



    الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه
    ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم
    لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
    له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى
    العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا
    محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي
    المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:


    لقد علمتم أن الإيمان بالله ورسوله لا يتم إلا
    بالنهوض على ركنين لابدَّ منهما. أما أولهما فاليقين الذي يحتضنه العقل، وأما
    الثاني فالحب الذي يهيمن على القلب. إيمان بعقل عارٍ عن الحب لا يُعَدُّ إيماناً في
    ميزان الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة، وإيمان يتمثل في حبٍّ لا يحتضنه يقين عقلي ليس
    إيماناً في ميزان الله عزَّ وجلَّ قط. وحديثنا اليوم عن الركن الثاني ألا وهو
    الحبُّ، وحديثنا عن حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو فرعٌ عن حب الله
    عزَّ وجلّ.


    لا يُعَدُّ الإنسان مؤمناً بمجرّد يقينه العقليّ
    بأنّ محمداً رسولٌ حقاً، بل لابدّ من أن تهيمن محبة رسول الله على قلبه، ولقد سمعتم
    بالأمس الحديث المتفق عليه:


    (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله
    وولده والناس أجمعين)


    قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن الله
    ولم يقلها استكباراً أو بدافع من الأنانية قط.


    وإذا تبيّنَت هذه الحقيقة يا عباد الله فإن من شأن
    الحب أيّاً كان نوعه وأيّاً كان المحبوب أن يحتضن كل ما يُذَكِّرُ بالمحبوب، هذه
    حقيقة لا يستطيع أن ينكرها لا المؤمن ولا الفاجر ولا الملحد أو الفاسق، فمن أحب
    كائناً ما لابد أن يحنَّ إلى كل ما يذكره بذلك المحبوب ولابدّ أن يهتاج شوقه إلى
    المحبوب كلّما رأى ما يذكِّرُه به بل كلما مرَّ بما يذكّره به من مكان أو زمان، لا
    مجال للنقاش في هذه الحقيقة يا عباد الله. فمن أحب شخصاً ما حباً حقيقياً إذا رأى
    شيئاً مما يخصّه كثوب، كنعل، ككتاب، كأي شيءٍ يتعلق به إذا رآه اهتاجت من جرّاء ذلك
    الذكرى في قلبه واهتاج الحنين إلى محبوبه من جراء ذلك، إذا مرَّ بمنزل المحبوب
    اهتاج الحنين إلى المحبوب لدى مرأى ذلك المرء ذلك المنزل وإذا رأى أي أثر من آثاره
    اهتاج في قلبه الحب لذلك الذي هيمن حبه على قلبه، وإذا مرَّ بزمان أرَّخَهُ بينه
    وبين نفسه تمَّ في ذلك الزمان أو تلك الساعة لقاء مع محبوبه هيَّجته تلك الساعة إلى
    ذكريات لا يستطيع أن ينساها أو أن يتناساها، أفي الناس من ينكر هذه الحقيقة يا عباد
    الله؟


    ما أظن في العقلاء من يُنكر هذه الحقيقة التي نتفاعل
    معها جميعاً لا باختيار منّا بل بانفعال قسري كما تقولون. فتعالوا إلى القلب الذي
    هيمنت عليه محبة رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، هيمنت محبة رسول الله حقاً على
    قلبه ورأى الثوب الذي كان يرتديه رسول الله، ماذا يفعل مرأى ذلك الثوب أمام عينيه
    وقد رآه؟ لابد أن يهتاج من جوارحه من أقصى جوانح قلبه الحنينُ إلى المصطفى صلى الله
    عليه وسلم ولابدّ أن يبُرِّحَه الشوق إليه.


    رأى المنزل الذي وُلد فيه رسول الله صلى الله عليه
    وعلى آله وسلم، رأى الغار الذي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هجرته، مرَّ
    باليوم الذي وُلد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبّ رسول الله، ماذا تفعل
    به هذه المذكّرات كلّها من زمان أو مكان؟ لا ريب يا عباد الله أن هذه المذكرات تقدح
    – لا أقول زناد الحبّ، الحبّ موجود – ولكنها تقدح زناد الشوق المبرح إلى رسول الله
    صلى الله عليه وسلم، فمن أنكر ذلك فقد أنكر سببه وهو الحبّ.


    هذه الأمور التي تذكر الإنسان بأمر من أمور الدين أو
    بماضٍ من ماضي الرسل والأنبياء شاء الله عز وجل أن يُعْجَنَ كثيرٌ منه بالعبادات،
    أنتم تقرؤون قول الله سبحانه وتعالى:


    {إِنَّ الصَّفَا
    وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ
    جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ
    شَاكِرٌ عَلِيمٌ}
    [البقرة : 158].


    ما معنى هذا الكلام؟

    {إِنَّ الصَّفَا
    وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} معلمة من المعالم التي شاء الله عز وجل
    أن تصطبغ بها حقيقة دينيّة منذ واقعة جرت في أيّام خليل الرحمن سيّدنا إبراهيم على
    نبيّنا وعليه الصلاة والسلام يوم شاء الله عزّ وجلّ أن يترك زوجته وطفله في ذلك
    المكان بين الصفا والمروة, تبعته الزوجة وهي تقول إلى أين تَدَعُنَا؟ لم يردّ، إلى
    أين؟ لم يرد، قالت له: آالله أمرك بهذا؟ أشار إليها أن نعم، قالت: لن يتركنا الله
    إذاً. واشتد عليها وعلى وليدها الظمأ بعد لأْيٍ وبعد حين فراحت تبحث عن الماء، راحت
    تسعى صاعدةً إلى الصفا راجعةً إلى المروة عائدةً إلى الصفا راجعةً إلى المروة فشاء
    الله عز وجل أن يبعث ملكه جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام فضرب بجناحه الأرض
    وإذا بالماء ينهمر وينفجر من تلك البقعة وذلكم هو ماء زمزم، من هنا جعل الله عز وجل
    من الصفا والمروة شعيرتين من الشعائر، لماذا؟ لأنها تحمل ذكرى، إذاً فبيان الله عز
    وجل يعلّمنا كيف نحتفل بالذكريات التي تربط ما بيننا وبين ماضٍ يبرز معنى عبودية
    كثيرٍ أنبياء الله ورسله فوق هذه الأرض.


    {وَاتَّخِذُواْ مِن
    مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة : 125].


    لماذا مقام إبراهيم بالذات؟ إحياءً لذكرى وقوفه في
    ذلك المكان وصلاته في ذلك المكان.


    لماذا الطّواف حول بيت الله العتيق وقد علمنا أن
    البيت حجارة لا تنفع ولا تضر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لكنّ الأمر
    يحمل ذكرى وبيانُ الله عز وجل يأمرنا أن نحتضن الذكريات التي ترتبط بعاطفة، ترتبط
    بِوِدٍّ، التي تغذي مزيداً من الحبّ الذي ينبغي أن يهيمن على الفؤاد.


    تعالوا ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف
    كان يحتفي بالذكريات المرتبطة بماضٍ عزيزٍ على القلب، بماضٍ يُذكّر بالله عزّ وجلّ
    وحرماته.


    رُئِيَ المصطفى صلى الله عليه وسلم صائماً يوم
    الاثنين، سُئِلَ عن ذلك، قال: (ذلك يوم ولدت فيه). إذاً هو يحتفي بيوم ميلاده
    والحديث صحيح يا عباد الله.


    هاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وسمع
    أن يهوداً يصومون يوم عاشوراء وقد مرَّ ذلك اليوم فعلاً، سأل عن السبب، قيل له: إنه
    اليوم الذي أنجى الله عز وجل فيه موسى ومن معه من فرعون وقومه، وتأكّد المصطفى صلى
    الله عليه وسلم من ذلك فقال: (نحن أولى بموسى من بني إسرائيل) وأمر أصحابه بالصوم
    ذلك اليوم وأمر من كان مفطراً أن يمسك إلى المساء، إنها الذكرى وإنه إحياء من رسول
    الله صلى الله عليه وسلم لتلك الذكرى.


    اسمعوا يا عباد الله وتأملوا بقلوبكم بأبصاركم
    وبصائركم. رجع المصطفى صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ولمـّا دنا من المدينة
    المنورة وبدت طلائع بيوتها قال صلى الله عليه وسلم: (هذه طابة) ثم التفت إلى أحد
    وقال: (وهذا أحد جبل يحبّنا ونحبّه)، لماذا هذا الغزل من رسول الله صلى الله عليه
    وسلم بجبلٍ هو الصخر الصلد، لا يعي ولا يفهم، هو رمز للجمادات؟ (جبلٌ يحبنا
    ونحبه)؟! لأنه يحمل ذكرى أولئك الشهداء الذين دُفنوا في سفح ذلك الجبل، أولئك الذين
    يحتضنهم، يحتضن دماءهم الزكيّة، سفح ذلك الجبل.


    إذاً هي الذكرى عزيزةٌ على القلب. وإذا كان القلب
    يحتضن حبّاً أيّاً فلا بدّ أن يحتضن ذكريات هذا الحب، بينهما تلازم دائم يا عباد
    الله، لا ينبغي لأحدٍ أن يشكّ أو أن يرتاب في هذا مادام أنه من البشر ومادام أن
    إنسانيته لم يتسرّب إليها شذوذٌ قط.


    إذاً فإذا كنا نعلم – وهذا ما أعلمه – أننا جميعاً
    نتمتع بقسطٍ – وأرجو أن يكون وافراً – من حبّنا لرسولنا محمّد صلى الله عليه وسلم،
    إذا ثبت أن أفئدتنا تحتضن هذا الحب أفيُعقل أن نمرّ بذكرى من ذكرياته إن بذكريات
    مكانيّة أو زمانيّة أو بمتاعٍ أو أيّ شيء آخر هل يعقل ألا تحرك هذه الذكريات
    الزمانيّة أو المكانيّة حقيقة الحب المهيمن على قلوبنا؟ هل يعقل ألا يتحول هذا الحب
    إلى حنين وشوق إلى هذا الحبيب الذي آمنا به ولم تكتحل أعيننا برؤيته؟ أفيُعقل هذا
    يا هؤلاء الناس؟ لا يُعقل، لابد أن يستبد الحنين إذا مرَّ بنا ذلك اليوم الذي ولد
    فيه رسول الله، ذلك اليوم الذي آذن الله عز وجل فيه أن يجعل من وجوده بيننا رحمة
    للعالمين. يا سبحان الله! حسناً اهتاجت مشاعر الحب بين جوانحنا لمناسبة هذه الذكرى
    – مكانيّة كانت أو زمانيّة – هل يمكن للحنين الذي يهتاج في الفؤاد، هل يمكن للشوق
    الذي يهيمن على القلب أن يختفي إذاً لاختنق الإنسان، لابد أن يُعبّر عن حنينه، لابد
    أن يُعبّر عن اهتياجه، لابدّ أن يُعبّر عن شوقه، كيف يُعبّر؟ له أن يُعبّر بالطريقة
    التي يشاء، له أن يُعبّر بالآهة، له أن يُعبّر بالنغمة، له أن يُعبّر بالصوم كما
    فعل رسول الله، له أن يعبر بأي طريقة يُبْرِدُ بها لظى حنينه إلى رسول الله صلى
    الله عليه وسلم، يجلس مع إخوانه كما كان يقول ذلك الصحابيّ: تعالوا بنا نؤمن ساعة،
    يجمع إخوانه على تلاوة شمائل رسول الله، على تلاوة سيرة رسول الله، على الثناء على
    الله الذي ابتعث لنا حبيبه محمّداً رسول الله، عندئذٍ يبرد لظى قلبه وحنين فؤاده
    المهتاج بسبب هذه الذكرى التي مرّت به.


    إذاً يا عباد الله لنا – بل لا أقول لنا – لا نستطيع
    إلا أن نُعبّر عن الشوق الذي يهيمن في أفئدتنا لمرور ذكرى رسول الله صلى الله عليه
    وسلم بأيّ طريقة ترضي الله سبحانه وتعالى، المهمّ ألا تكون الطريقة ممّا لا يتّفق
    مع شرع الله سبحانه وتعالى.


    نعم هذه حقيقة فرغنا منها يا عباد الله ولا نقولها
    لنناقش بها قساة القلوب فهؤلاء لا يناقَشون، وماذا عسى أن يفيد نقاشك لأولئك القساة
    القلوب ولقد كان جبلُ أحد أَحَنَّ من أصحاب هؤلاء القلوب، ولقد كان جبل أحد الذي
    تغزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ليناً من قلوب هؤلاء الناس اليوم، لكنني
    أقول هذا الكلام لأعبّر من خلال ذلك بجزء من اشتياقي إلى رسول الله، وأعتقد أنكم
    تطربون لسماع هذا الكلام لأنكم ترون فيه شيئاً يبرز لظى اشتياقكم إلى رسول الله صلى
    الله عليه وسلم.


    فإن أنكر من أنكر هذا الذي أقول فإنّهم في الحقيقة
    لا يُنكرون التعبير في هذه المناسبة عن حبّنا لرسول الله، لا يُنكرون التعبير عن
    الشوق اللاهب الذي يُهيمن لدى مرور هذه الذكرى برسول الله ولكنّهم ينكرون مصدر ذلك
    ألا وهو حبُّ رسول الله، هذا ما أجزم به، ولا أدَلَّ على ذلك من أنك تتبع حال هؤلاء
    الناس فلا ترى فيهم من يقوم قبيل الفجر ليقف بين يدي الله مُستغفراً، لا تجد فيهم
    من يرقّ منه القلب والفؤاد في تلك الساعة من السحر ليبكي ويتخشّع ويتضاءل يستنزل
    الرحمات من الله عز وجل، لا تجد فيهم من إذا صلى جلس متأدباً في مكان صلاته يتلو
    أوراد الصلاة البعدية ثم يبسط كفيه بذل وضراعة إلى الله، لا، بل إنّ أحدهم ليقول:
    إن بسط الكف إلى سماء الرحمة الإلهية بدعة إذاً كان رسول الله مبتدعاً عندما قال:
    (إن ربّكم حييٌّ كريم يستحي من عباده إذا بسطوا أكفهم إليه أن يردها خائبة)، إذاً
    كان رسول الله مبتدعاً حينما بسط كفيه إلى السماء ليلة بدر، إذاً رسول الله صلى
    الله عليه وسلم كان مبتدعاً عندما صلى بالقوم صلاة الاستسقاء وبسط كفيه إلى السماء
    يستنزل رحمة الله سبحانه وتعالى.


    عباد الله: اهنؤوا بأن الله عز وجل غرس محبة رسول
    الله في قلوبكم، إذاً أبشركم وأبشر نفسي بأننا سنكون غداً من الإخوان الذين تشوّق
    إليهم رسول الله يوم قال: (وددت أني لو رأيت إخواننا). اللهم اجعلنا بمنِّكَ وجودك
    من إخوان حبيبك المصطفى الذين تشوق إليهم ولم يرهم، ليست لنا في سبيل هذا الدعاء
    بضاعة إلا بضاعة الحب والتعبير عن هذا الحب في يوم ذكراه، أقول قولي هذا وأستغفر
    الله العظيم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 19 أبريل - 17:24