منتدى لمسات سورية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    تابع الزهد والفقر

    سوريا الله حاميها
    سوريا الله حاميها
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 701
    نقاط : 1112
    السٌّمعَة : 53
    العمل/الترفيه : محاسب
    المزاج : رايق

    تابع الزهد والفقر Empty تابع الزهد والفقر

    مُساهمة من طرف سوريا الله حاميها الإثنين 14 فبراير - 15:59

    آداب الفقير فى فقره

    ينبغي له أن لا يكون كارهاً لما ابتلاه الله به من الفقر‏.‏ وأرفع من هذا أن يكون راضياً فرحاً، ويكون متوكلاً على الله سبحانه، واثقاً به ومتى عكس الحال، وكان يشكو إلى الخلق، ولا يشكو إلى الله تعالى ، كان الفقر عقوبة فى حقه، فلا ينبغي له إظهار الشكوى، بل يظهر التعفف والتجمل‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف‏}‏ ‏[‏البقرة ‏:‏ 273‏]‏‏.‏ وينبغى للفقير أن لا يتواضع لغنى لأجل غناه، ولا يرغب فى مجالسته‏.‏وينبغى له أيضاً أن لا يفتر عن العبادة بسبب فقره، ولا يمنع بذلك ما فضل عنه، فإن ذلك جهد المقل‏.‏ روى أبو ذر رضى الله عنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يارسول الله‏:‏ أي الصدقة أفضل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ جهد من مقل إلى فقير فى السر ‏"‏ ‏
    ـ بيان آدابه في قبول العطاء
    إذا جاءه بغير سؤال ينبغي أن يلاحظ فيما جاءه ثلاثة أمور‏:‏ نفس المال، وغرض المعطى، وغرضه فى الأخذ‏.‏
    الأول ‏:‏ أما فى نفس المال، فينبغي أن يكون خالياً عن الشبهات كلها، فان كان فيه شبهة فليحترز عن أخذه‏.‏وقد تقدم فى كتاب الحلال والحرام درجات الشبهة، وما يجب اجتنابه، وما يستحب‏.‏وأما غرض المعطى، فلا يخلو، إما أن يكون طلباً للمحبة، وهو الهدية، فلا بأس بقبولها إذا لم تكن رشوة ولم يكن فيها منة‏.‏
    الثاني‏:‏ أن يكون غرض المعطى الثواب، وهو الزكاة والصدقة، فعليه أن ينظر فى صفات نفسه، هل هو مستحق أم لا‏؟‏ فان اشتبه عليه فهو محل شبهة، وإن كان صدقة، فكان المعطى إنما يعطيه لدينه، فلينظر إلى باطنه، فإن كان مقارناً لمعصية فى السر، يعلم أن المعطى لو علم بذلك ، لنفر طبعه ولما تقرب إلى الله بالصدقة عليه، لم يأخذه كما لو أعطاه لظنه أنه عالم لم يكن‏.‏
    الثالث‏:‏ أن يكون غرض المعطى الشهرة والرياء والسمعة، فينبغي أن يرد عليه قصده الفاسد، ولا يأخذه، لأنه إذا قبله يكون معينا له على قصده الفاسد‏.‏ وأما غرضه فى الأخذ، فلينظر أهو محتاج إليه أو مستغن عنه‏؟‏ فان كان مستغنياً لم يأخذه، وإن كان محتاجاً إليه ، وقد سلم من الشبة والآفات التي ذكرناها، فالأفضل له الأخذ، لما روى عن عمر رضى الله عنه ، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك ‏"‏ أخرجاه فى ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏وفى حديث آخر‏:‏ ‏"‏ من جاءه من أخيه معروف من غير إسراف ولا مسألة، فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله إليه‏"‏‏.‏
    ـ فصل في بيان تحريم السؤال من غير ضرورةوآداب الفقير المضطر في السؤال
    اعلم‏:‏ أنه قد ورد فى السؤال أحاديث فى النهى عنه، وفى الترخيص فيه‏.‏
    أما الترخيص‏:‏ فكقوله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ للسائل حق وإن جاء على فرس‏"‏ ‏‏ ‏:‏وفى بعض الأحاديث‏:‏ ‏"‏ردوا السائل ولو بظلف محرق‏"‏‏.‏ ولو كان السؤال حراماً، لما جاز إعانة المعتدى على عدوانه، والإعطاء إعانة‏.‏وأما أحاديث النهى عن السؤال‏:‏ فروى ابن عمر رضى الله عنهما‏:‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله عز وجل وليس فى وجهه مزعة لحم‏"‏ أخرجاه فى ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏وفيهما أيضاً‏:‏ أنه صلى الله عليه وآله وسلم ذكر التعفف عن المسألة فقال‏:‏ ‏"‏اليد العليا خير من اليد السفلي‏"‏ ‏.‏ واليد العليا المعطية، والسفلي السائلة‏.‏وفى حديث ابن مسعود رضى الله عنه ‏:‏ أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً فى وجهه‏"‏ إلى آخره‏.‏ وهو حديث حسن ، وفى المعنى أحاديث كثيرة‏.‏وكشف الغطاء فى هذا أن نقول ‏:‏ السؤال فى الأصل حرام، لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور‏:‏
    أحدها‏:‏ الشكوى‏.‏
    والثاني‏:‏ إذلال نفسه، وما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه‏.‏
    والثالث‏:‏ إيذاء المسؤول غالباً‏.‏وإنما يباح السؤال فى حال الضرورة والحاجة المهمة القريبة من الضرورة، أما المضطر، فهو كسؤال الجائع عند خوفه على نفسه موتاً أو مرضاً، وكسؤال العاري الذي ليس له ما يواريه‏.‏وأما المحتاج حاجة مهمة فهو كمن له جبة ولا قميص تحتها فى الشتاء، فهو يتأذى بالبرد تأذيا لا ينتهي إلى حد الضرورة، فكذلك من يقدر على المشي لكن بمشقة، يجوز له أن يسأل أجرة يكترى بها للركوب، وتركه أولى، ومن وجد الخبز وهو محتاج إلى الأدم، فله أن يسأل مع الكراهة، وكذلك إذا سأل المحمل من هو قادر على الراحلة‏.‏وينبغى فى مثل هذه المسألة أن يظهر الشكر لله تعالى، ولا يسأل سؤال محتاج ، بل يقول ‏:‏ أنا مستغن بما أملكه، وإنما النفس تطالبني، فيخرج بهذا عن حد الشكوى لله تعالى‏.‏وينبغى أن يسأل أباه أو قريبه أو صديقه الذي لا ينقص بذلك فى عينه، أو السخي الذي أعد ماله للمكارم، فيخرج بذلك من الذل‏.‏وإن أخذ ممن يعلم أنه إنما أعطاه حياءً، لم يجز له الأخذ، ويجب رده إلى صاحبه‏.‏ولا يجوز للفقير أن يسأل إلا مقدار ما يحتاج إليه، من بيت يكنه، وثوب يستره، وطعام يقيمه‏.‏ويراعى فى هذه الأشياء ما يدفع الزمان من غير تنوق ‏(2)‏ فى شئ من ذلك، فإن كان يعلم أنه يجد من يسأله كل يوم، لم يجز أن يسأل أكثر من قوت يومه وليلته، وإن خاف أن لا يجد من يعطيه، أو خاف أن يعجز عن السؤال، أبيح له السؤال أكثر من ذلك‏.‏ولا يجوز له فى الجملة أن يسأل فوق ما يكفيه لسنته، وعلى هذا يتنزل الحديث المروى فى تقدير الغنى بخمسين درهماً، فإنها تكفى المنفرد المقتصد لسنة، فأما ذو العائلة فلا‏.‏
    ـ بيان أحوال السائلين ‏.‏
    كان بشر الحافي يقول ‏:‏ الفقراء ثلاثة‏:‏ فقير لا يسأل، وإن أعطى لا يأخذ، فهذا من الروحانيين‏.‏وفقير لا يسأل، إن أعطى أخذ، فذاك من أهل حظيرة القدس‏.‏وفقير إذا احتاج سأل، فكفارة مسألته صدقه فى السؤال‏.‏قال الشيخ جمال الدين رحمه الله‏:‏ قلت‏:‏ وفصل الخطاب أنه متى قدر الفقير على دفع الزمان من غير سؤال، لم يجز له أن يسأل، فإن كان يندفع على مضض، نظرت، فإن كان مثله لا يحتمل، ولا يخاف منه التلف، فالسؤال مباح وتركه فضيلة، وإن كان مثله لا يحتمل، وجب عليه أن يسأل‏.‏قال سفيان الثوري رحمه الله‏:‏ من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار‏.‏
    الشطر الثاني من الكتاب‏:‏
    ـ بيان حقيقة الزهد وفضيلته وذكر درجاته وأقسامه ونحو ذلك
    اعلم‏:‏ أن الزهد في الدنيا مقام شريف من مقامات السالكين، والزهد عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه، وشرط المرغوب عنه أن يكون مرغوبا فيه بوجه من الوجوه، فمن رغب عن شئ ليس مرغوباً فيه ولا مطلوباً في نفسه، لم يسم زاهداً، كمن ترك التراب لا يسمى زاهداً‏.‏ وقد جرت العادة بتخصيص اسم الزاهد بمن ترك الدنيا، ومن زهد في كل شئ سوى الله تعالى، فهو الزاهد الكامل، ومن زهد في الدنيا مع رغبته في الجنة ونعيمها، فهو أيضاً زاهد، ولكنه دون الأول‏.‏واعلم‏:‏ أنه ليس من الزهد ترك المال، وبذله على سبيل السخاء والقوة، واستمالة القلوب، وإنما الزهد أن يترك الدنيا للعلم بحقارتها بالنسبة إلى نفاسة الآخرة‏.‏ومن عرف أن الدنيا كالثلج يذوب، والآخرة كالدر يبقى، قويت رغبته في بيع هذه بهذه‏.‏ وقد دل على ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى‏}‏ ‏[‏النساء ‏:‏ 77‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ما عندكم ينفد وما عند الله باق‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏69‏]‏‏.‏ومن فضيلة الزهد قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه‏}‏ ‏[‏طه ‏:‏ 131‏]‏‏.‏وقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ من أصبح وهمه الدنيا، شتت الله عليه أمره، وفرق عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له،ومن أصبح وهمه الآخرة، جمع الله له همه، وحفظ عليه ضيعته، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهو راغمة‏"‏‏.‏وقال الحسن ‏:‏ يحشر الناس عراة ما خلا أهل الزهد، وقال ‏:‏ إن أقواما أكرموا الدنيا فصلبتهم على الخشب، فأهينوها، فأهنأ ما تكون إذا أهنتموها‏.‏وقال الفضيل‏:‏ جعل الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله فى بيت، وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا‏.‏وكان بعض السلف يقول‏:‏ الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، والرغبة فيها تكثر الهم والحزن‏.‏
    ـ فصل في درجات الزهد وأقسامه
    من الناس من يزهد في الدنيا وهو لها مشتهٍ، لكنه يجاهد نفسه، وهذا يسمى‏:‏ المتزهد، وهو مبدأ الزهد‏.‏
    الدرجة الثانية‏:‏ أن يزهد فيها طوعا لا يكلف نفسه ذلك، لكنه يرى زهده ويلتفت إليه، فيكاد يعجب بنفسه، ويرى أنه قد ترك شيئاً له قدر لما هو أعظم قدراً منه، كما يترك درهما لأخذ درهمين، وهذا أيضاً نقصان‏.‏
    الدرجة الثالثة‏:‏ وهى العليا أن يزهد طوعاً ، ويزهد في زهده، فلا يرى أنه ترك شيئاً، لأنه عرف أن الدنيا ليست بشئ، فيكون كمن ترك خرقة، وأخذ جوهرة فلا يرى ذلك معاوضة، فإن الدنيا بالإضافة إلى نعيم الآخرة، أحسن من خرقة بالإضافة إلى جوهرة، فهذا هو الكمال في الزهد‏.‏
    واعلم‏:‏ أن مثل من ترك الدنيا، مثل من منعه عن باب الملك كلب على بابه، فألقى إليه لقمة من خبز فشغله بذلك ودخل، فقرب من الملك، أفتراه يرى لنفسه يداً عند الملك بلقمة ألقاها إلى كلبه في مقابلة ما قد ناله‏؟‏
    فالشيطان كلب في باب الله عز وجل، ويمنع الناس من الدخول، مع أن الباب مفتوح، والحجاب مرفوع، والدنيا كلقمة، فمن تركها لينال عز الملك، فكيف يلتفت إليها‏؟‏ ثم إن نسبتها ، أعنى ما سلم لكل شخص منها ولو عمر ألف سنة بالإضافة‏.‏إلى نعيم الآخرة، أقل من لقمة بالإضافة إلي ملك الدنيا، لأن الفاني لا نسبة له إلى الباقي، كيف ومدة العمر قصيرة ولذات الدنيا مكدرة‏؟‏
    وأما أقسام الزهد بالإضافة إلى المرغوب فيه، فعلى ثلاث درجات‏:‏
    أحدها‏:‏الزهد للنجاة من العذاب، والحساب، والأهوال التي بين يدي الآدمي، وهذا زهد الخائفين‏.‏
    الدرجة الثانية‏:‏ الزهد للرغبة في الثواب ، والنعيم الموعود به، وهذا زاهد الراجين فإن هؤلاء تركوا نعيماً لنعيم‏.‏
    الدرجة الثالثة‏:‏ وهى العليا‏.‏ وه أن لا يزهد في الدنيا للتخلص نم الآلام، ولا للرغبة في نيل اللذات، بل لطلب لقاء الله تعالى وهذا زهد المحسنين العارفين، فإن لذة النظر إلى الله سبحانه وتعالى بالإضافة إلى لذات الجنة، كلذة ملك الدنيا، والاستيلاء عليها، بالإضافة إلى لذة الاستيلاء على عصفور واللعب به‏.


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 2 مايو - 12:49