عَنْ مُعاذٍ - رضي
الله عنه - قال : قُلتُ : يا رَسولَ الله أَخبِرني بِعَمَلٍ
يُدخِلُنيالجَنَّةَ ويُباعِدُني مِنَ النَّارِ ، قال : (( لقَدْ سَأَلْتَ
عَنْ عَظيمٍوإنَّهُ لَيَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه : تَعْبُدُ
الله لا تُشْرِكُ بهِشيئاً ، وتُقيمُ الصَّلاةَ ، وتُؤتِي الزَّكاةَ ،
وتَصُومُ رَمضَانَ ، وتَحُجُّالبَيتَ )) . ثمَّ قالَ : (( ألا أَدُلُّكَ
على أبوابِ الخير ؟ الصَّومُ جُنَّةٌ ،والصَّدقَةُ تُطْفِئُ الخَطيئَةَ
كَما يُطفئُ الماءُ النارَ ، وصَلاةُ الرَّجُلِمِنْ جَوفِ اللَّيلِ ، ثمَّ
تلا : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ }حتَّى بَلَغَ : {
يَعْمَلُوْنَ } ((1)) ، ثُمَّ قالَ : (( أَلا أُخْبِرُكُ برَأْسِالأمْرِ
وعَمودِه وذِرْوَة سنامِهِ ؟ )) قُلتُ : بَلَى يا رَسولَ الله ، قال :
((رَأسُ الأمْرِ الإسلامُ ، وعَمُودُه الصَّلاةُ ، وذِرْوَةُ سَنامِهِ
الجهادُ )) ،ثم قال : (( ألا أُخبِرُكَ بمَلاكِ ذلك كُلِّهِ ؟ )) ، قلتُ :
بلى يا رسول الله ،فأخذ بلسانه ، قال : (( كُفَّ عَلَيكَ هذا )) ، قلتُ :
يا نَبيَّ الله ، وإنَّالمُؤَاخَذُونَ بِما نَتَكَلَّمُ بهِ ؟ فقالَ :
(( ثَكِلتْكَ أُمُّكَ ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجوهِهِمْ
، أوعلى مَنَاخِرِهم إلاَّ حَصائِدُ أَلسِنَتِهِم )) . رواهُ الترمذيُّ ،
وقال :حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ .
هذا الحديث خرَّجه الإمام أحمد ((2)) ، والترمذي ((3)) ، والنَّسائي ((4)) ، وابنماجه ((5)
__________
(1) السجدة : 16 – 17 .
(2) في " مسنده " 5/231 .
(3) في " جامعه " ( 2616 ) .
(4) في " الكبرى " ( 11394 ) وفي " التفسير " ، له ( 414 ) .
(5) في " سننه " ( 3973 ) .
وأخرجه : معمر في " جامعه " ( 20303 ) ، وعبد بن حميد ( 112 ) ،والمروزي في
" تعظيم قدر الصلاة " ( 196 ) ، والطبراني في " الكبير " 20/(266 ) ، والقضاعي في
" مسند الشهاب " ( 104 ) ، والبيهقي في " الشعب " ( 3350 ) ،والبغوي ( 11 ) .
) من رواية معمر ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن معاذ بن
جبل ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
وفيما قاله - رحمه الله - نظر من وجهين :
أحدهما : أنَّه لم يثبت سماعُ أبي وائل من معاذ ، وإنْ كان قد أدركه
بالسِّنِّ ،وكان معاذٌ بالشَّام ، وأبو وائل بالكوفة ، وما زال الأئمةُ -
كأحمد وغيره -يستدلُّون على انتفاء السَّماع بمثل هذا ، وقد قال أبو حاتم
الرازي في سماع أبيوائل من أبي الدرداء : قد أدركه ، وكان بالكُوفة ، وأبو
الدَّرداء بالشام ، يعني :أنَّه لم يصحَّ له سماع منه ((1)) . وقد حكى أبو
زرعة الدِّمشقي عن قوم أنَّهمتوقَّفُوا في سماعِ أبي وائل من عمر ، أو نفوه
، فسماعه من معاذ أبعد .
والثاني : أنَّه قد رواه حمَّادُ بنُ سلمة ، عن عاصم بن أبي النَّجود ، عن
شهر بنحوشبٍ ، عن معاذ ، خرَّجه الإمام أحمد مختصراً ((2)) ، قال الدارقطني
((3)) : وهوأشبهُ بالصَّواب ؛ لأنَّ الحديثَ معروفٌ من رواية شهرٍ على
اختلافٍ عليه فيه .
قلت : ورواية شهر عن معاذ مرسلةٌ يقيناً ((4)) ، وشهرٌ مختلفٌ في توثيقه
وتضعيفه((5)) ، وقد خرَّجه الإمامُ أحمد من رواية شهر ، عن عبدِ الرحمن بن
غَنْمٍ ، عنمعاذ ((6)
__________
(1) انظر : المراسيل لابن أبي حاتم ( 319 ) .
(2) في " مسنده " 5/248 .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21515 ) ، والطبراني في " الكبير" 20/( 200 ) .
(3) في " العلل " 6/79 س ( 988 ) .
(4) انظر : الكنى للبخاري ( 201 ) .
(5) انظر : الجرح والتعديل 4/347 ( 1668 ) ، وتهذيب الكمال 3/411 ( 2767 ) .
(6) في " مسنده " 5/235 و236 و245 .
وأخرجه : ابن المبارك في " الجهاد " ( 31 ) ، والبزار ( 2669 ) و( 2670) ، والطبراني في
" الكبير " 5/( 115 ) و( 116 ) و( 140 ) وفي " مسند الشاميين" ، له ( 222 ) .
) ،
وخرَّجه الإمام أحمد أيضاً من رواية عُروة بن النزَّال ، أو النزال ابنعروة
، وميمون بن أبي شبيب ((1)) ، كلاهما عن معاذ ، ولم يسمع عروةُ ولا ميمونُ
منمعاذ ، وله طرقٌ أخرى عن معاذ كلُّها ضعيفة ((2)) .
وقوله : (( أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنَّةَ ، ويُباعدني من النَّار )) قد
تقدَّم فيشرح الحديث الثاني والعشرين من وجوه ثابتة من حديث أبي هريرة وأبي
أيوب وغيرهما :أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن مثل هذه
المسألة ، وأجاب بنحو ماأجاب به في حديث معاذ .
__________
(1) في " مسنده " 5/237 .
وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 30314 ) ، وابن أبي عاصم في " الجهاد " ( 16 )وفي "
الزهد " ، له ( 7 ) ، والنسائي 4/166 ، والطبري في " تفسيره" ( 21515 ) ،
والطبراني في " الكبير " 20/( 304 ) و( 305 ) ،والحاكم 2/76 و412 .
(2) أخرجه : أحمد 5/234 ، والبزار ( 2651 ) ، والطبراني في " مسند
الشاميين" ( 1492 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 5/154 عن عطية بن
قيسبلفظ : (( الجهاد عمود الإسلام ، وذروة سنامه )) .
وفيه بكير بن عبد الله بن أبي مريم ( أبو بكر ) ، سئل عنه أحمد بن حنبل
فقال : ((ضعيف كان عيسى لا يرضاه )) ، وسئل عنه يحيى بن معين فضعفه ، وقال
أبو زرعة الرازي: (( ضعيف ، منكر الحديث )) . انظر : الجرح والتعديل 2/327 –
328 ، وتهذيب الكمال2/252
( 7836 ) .
وفي رواية
الإمام أحمد في حديث معاذ أنَّه قال : يا رسول الله ، إنِّي أريدُأنْ
أسألَكَ عن كلمةٍ((1)) قد أمرضَتنِي وأسقمتني وأحزنتني ، قال : (( سل
عمَّاشئتَ )) ، قال : أخبرني بعملٍ يدخلُنِي الجنَّة لا أسألكَ غيرَه ،
وهذا يدلُّ علىشدَّةِ اهتمامِ معاذٍ - رضي الله عنه - بالأعمال الصَّالحة ،
وفيه دليلٌ على أنَّالأعمالَ سببٌ لدخول الجنَّة ، كما قال تعالى : {
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِيأُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
((2)) .
وأما قولُه - صلى الله عليه وسلم - : (( لَنْ يدخُلَ أحدٌ منكُمُ الجنَّة
بِعمَلِه)) ((3)) فالمراد - والله أعلم - أنَّ العملَ بنفسه لا يستحقُّ به
أحدٌ الجنَّةلولا أنَّ الله جعله - بفضله ورحمته - سبباً لذلك ، والعملُ
نفسُه من رحمة اللهوفضله على عبده ، فالجنَّةُ وأسبابُها كلٌّ من فضل الله
ورحمته .
__________
(1) في ( ص ) : (( مسألة )) .
(2) الزخرف : 72 .
(3) أخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 1445 ) ، والطيالسي (2322 )
، وابن الجعد ( 2772 ) ، وأحمد 2/235 و326 و390 و451 و473 و509 و514 و524
،والبخاري 8/128 ( 6463 ) وفي " الأدب المفرد " ، له ( 461 ) ، ومسلم8/138
( 2816 ) ( 71 ) ، وابن ماجه ( 4201 ) ، وأبو يعلى ( 1243 ) ، وابن حبان (
348 )و( 660 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 8004 ) ، والقضاعي في "
مسندالشهاب "
( 626 ) ، والبيهقي 3/18 وفي " الشعب " ، له ( 766 ) و( 10149 ) من طرقعن أبي هريرة ، به .
وقوله : ((
لقد سألتَ عن عظيم )) قد سبق في شرح الحديث المشار إليه أنَّالنَّبيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قال لِرجل سأله عن مثل هذا : (( لئن كُنتَ
أوجزتالمسألة ، لقد أعظمتَ
وأطولتَ )) ((1)) ، وذلك لأنَّ دخولَ الجنَّة والنَّجاةَ من النار أمرٌ
عظيم جداً، ولأجله أنزل الله الكتب ، وأرسلَ الرُّسلَ ، وقال النَّبيُّ -
صلى الله عليهوسلم - لرجلٍ : (( كيف تقولُ إذا
صلَّيتَ ؟ )) قال : أسألُ الله الجنَّة ، وأعوذُ به من النار ، ولا
أُحسِنُدندنَتَك ((2)) ولا دندَنَة مُعاذ ، يشير إلى كثرة دعائهما
واجتهادهما في المسألة، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - :
(( حَوْلَها نُدَندِن )) . وفي روايةٍ : (( هل تصير دندنتي ودندنةُ مُعاذٍ إلا أنْنسأل الله
الجنَّةَ ، ونعوذ به من النار )) ((3)) .
__________
(1) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7284 ) ، وقد تقدم .
(2) الدندنة الكلام الذي لا يفهم . انظر : مختصر المختصر لابن خزيمة عقيب حديث (725 ) .
(3) أخرجه : أحمد 5/74 ، وابن ماجه ( 910 ) و( 3847 ) ، وابن خزيمة ( 725 )
، وابنحبان ( 868 )، والبيهقي في "الصغرى" ( 467 ) عن أبي هريرة ، به ،
وهوحديث صحيح .
وقد أبهم اسم الصحابي في " مسند الإمام أحمد " فقال : (( عن بعض أصحابالنبي - صلى الله عليه وسلم - )) .
وقوله : ((
وإنَّه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه )) إشارةٌ إلى أنَّالتَّوفيقَ
كُلَّه بيد الله - عز وجل - ، فمن يسَّرَ الله عليه الهدى اهتدى ، ومنلم
يُيسره عليه، لم يتيسَّر له ذلك ، قالَ الله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ
أَعْطَىوَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
وَأَمَّا مَنْبَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى } ((1))، وقال - صلى الله عليه وسلم -
: (( اعملوا فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِقَ لهُ ، أمَّا أهل السَّعادة ،
فيُيسَّرونلعمل أهل السَّعادة ، وأمَّا أهل الشَّقاوة ، فيُيَسَّرون لعمل
أهل الشقاوة )) ،ثم تلا - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ((2)) . وكان
النَّبيُّ - صلى الله عليهوسلم - يقولُ في دعائه: (( واهدني ويسِّر الهُدى
لي )) ((3)) ، وأخبر الله عن نبيهموسى - عليه السلام - أنَّه قال في دعائه:
{ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْلِي أَمْرِي } ((4))، وكان ابنُ عمر
يدعو : اللهمَّ يسرني
__________
(1) الليل : 5 – 10 .
(2) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20074 ) ، والطيالسي ( 151 ) ، وأحمد1/129
، وعبد ابن حميد ( 84 ) ، والبخاري 2/120 ( 1362 ) و6/212 ( 4947 ) و(
4948)
و( 4949 ) وفي " الأدب المفرد " ، له ( 903 ) ، ومسلم 8/45 ( 2647 ) ( 6) ،
وأبو داود ( 4694 ) ، وأبو يعلى ( 582 ) ، والبغوي ( 72 ) عن علي بن أبي
طالب، به .
(3) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 29390 ) ، وأحمد 1/227 ، وعبد بن حميد ( 717 )
،والبخاري في " الأدب المفرد " ( 665 ) ، وأبو داود ( 1510 ) و( 1511 )
،والترمذي
( 3551 ) ، وابن ماجه ( 3830 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (607 )
، وابن حبان ( 947 ) و( 948 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 1411 )و( 1412 )
، والحاكم 1/519 - 520 ، والبغوي ( 1375 ) ، وقال الترمذي : (( حسنٌصحيح
)) .
(4) طه : 25 - 26 .
لليُسرى ، وجنِبني العُسرى ((1)) .
وقد سبق في شرح الحديث المشار إليه توجيهُ ترتيب دخول الجنَّة على الإتيان
بأركانالإسلام الخمسة ، وهي : التَّوحيدُ ، والصَّلاةُ ، والزَّكاةُ ،
والصِّيام ،والحجُّ .
وقوله : (( ألا أدلُّكَ على أبوابِ الخيرِ )) لمَّا رتَّبَ دخولَ الجنَّة
علىواجبات الإسلام ، دلَّه بعد ذلك على أبواب الخيرِ مِنَ النَّوافِل ،
فإنَّ أفضلَأولياءِ الله هُمُ المقرَّبون ، الذين يتقرَّبون إليه
بالنَّوافل بعدَ أداءِالفرائض .
وقوله : (( الصومُ جنَّة )) هذا الكلام ثابتٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه
وسلم -من وجُوهٍ كثيرةٍ ، وخرَّجاه في " الصحيحين " ((2)) من حديث أبي
هريرة ،عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وخرَّجه الإمام أحمد ((3))
بزيادة ، وهي ( الصِّيام جنَّةٌ وحِصْنٌ حصينٌ مِنَ النَّار )) .
وخرّج من حديث عثمان بن أبي العاص ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال ( الصوم جنَّةٌ مِنَ النَّارِ((4)) ، كجُنَّة أحدكم من القِتال )) ((5)) .
__________
(1) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 29861 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء "1/308 .
(2) صحيح البخاري 3/31 ( 1894 ) ، وصحيح مسلم 3/156 ( 1151 ) ( 162 ) .
وأخرجه : مالك في " الموطأ " ( 860 ) برواية الليثي ، وأحمد 2/465 ،وأبو داود
( 2363 ) ، والنسائي ( 3252 ) و( 3253 ) ، وابن حبان ( 3427 ) .
(3) في " مسنده " 2/402 .
وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 3571 ) .
(4) عبارة : (( من النار )) سقطت من ( ص ) .
(5) في " مسنده " 4/21 و22 و217 ، وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق ،والحديث في " مختصر المختصر " ( 1891 ) وراجع تخريجه هناك .
ومن حديث
جابر ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( قال ربُّنا- عز
وجل - : الصِّيام جنَّةٌ يستجِنُّ بها العبدُ من النَّار )) ((1)) .
وخرَّج أحمد ((2)) والنَّسائي ((3)) من حديث أبي عُبيدة ، عنِ النَّبيِّ - صلىالله عليه وسلم - ، قال :
(( الصِّيام جنَّة ما لم يَخْرِقْها )) ، وقوله : (( ما لم يخرقها )) ،
يعني :بالكلام السيء ونحوه ، ولهذا في حديث أبي هريرة المخرج في " الصحيحين
"((4)) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
: (( الصيام جنَّة ، فإذا كان يومُ صومِ أحدكم ، فلا يرفث ، ولا يجهل ، فإن امرؤٌسابَّه فليقل : إني امرؤ صائم )) .
وقال بعضُ السَّلف : الغيبةُ تخرقُ الصِّيامَ ، والاستغفارُ يرقَعُهُ ، فمن استطاعمنكم أنْ لا يأتي بصوم مخرَّقٍ فليفعل ((5)) .
وقال ابنُ المنكدر : الصائمُ إذا اغتاب خرق ، وإذا استغفر رقع .
وخرَّج الطبراني ((6)
__________
(1) أخرجه : أحمد 3/341 و396 ، وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة .
(2) في " مسنده " 1/195 و196 ، وإسناده لا بأس به .
(3) في " المجتبى " 4/167 و168 .
(4) سبق تخريجه .
(5) أخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 3644 ) عن أبي هريرة .
(6) في " الأوسط " ( 4536 ) و( 7814 ) .
وأخرجه : ابن عدي في " الكامل " 4/32 .
وفيه الربيع بن بدر ، قال عنه يحيى بن معين : (( بصريٌّ ضعيف ليس بشيء )) ،
وقالالبخاري : (( يقال له : عليلة بن بدر السعدي التميمي بصري )) ، وقال
أبو داود : ((ضعيف )) ، وقال أبو حاتم : (( لا يشتغل به ولا بروايته ،
فإنَّه ضعيف الحديث ذاهبالحديث )) .
انظر : الكامل 4/29 ، وتهذيب الكمال 2/457 ( 1839 ) .
وهو كذلك من رواية الحسن عن أبي هريرة ، وقد قال أبو حاتم الرازي ، والذهبي
بعدمسماع الحسن من أبي هريرة . انظر على سبيل المثال : المراسيل لابن أبي
حاتم ( 102 )و( 103 )
و( 104 )… إلخ ، وسير أعلام النبلاء 4/566 .
) بإسنادٍ
فيه نظرٌ عن أبي هريرة مرفوعاً : (( الصِّيامُ جُنَّةٌ ما لم يخرقها)) ،
قيل : بم يخرقه ؟ قال : (( بكذبٍ أو غيبةٍ ((1)) )) .
فالجُنَّة : هي ما يستجنُّ بها العبد ، كالمجنِّ الذي يقيه عندَ القتالِ
منالضَّرب ، فكذلك الصيام يقي صاحبه منَ المعاصي في الدُّنيا ، كما قال -
عز وجل - :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَعَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
((2)) ،
فإذا كان له جُنَّةٌ من المعاصي ، كان له في الآخرة جُنَّةٌ من النار ،
وإنْ لميكن له جُنَّةٌ في الدنيا من المعاصي ، لم يكن له جُنَّةٌ في الآخرة
من النار .
وخرَّج ابنُ مردويه من حديث عليٍّ مرفوعاً ، قال : (( بعث الله يحيى بن
زكريا إلىبني إسرائيل بخمس كلماتٍ )) ، فذكر الحديثَ بطوله ، وفيه : ((
وإنَّ الله يأمُركُمأنْ تصُوموا ، ومَثَلُ ذلك كمثل رجلٍ مشى إلى عدوِّه ،
وقد أخذَ للقتال جُنَّةً ،فلا يخافُ من حيث ما أُتي )) ((3)) . وخرَّجه من
وجهٍ آخر عن عليٍّ موقوفاً ، وفيهقال : (( والصيامُ مَثَلُه كمثل رجلٍ
انتصره النَّاسُ ، فاستحدَّ في السِّلاح ،حتَّى ظنَّ أنَّه لن يصل إليه
سلاحُ العدوِّ ، فكذلك الصيامُ جنَّة )) ((4)) .
__________
(1) من قوله : (( قيل بم يخرقه … )) إلى سقط من ( ص ) .
(2) البقرة : 183 .
(3) أخرجه : البزار ( 695 ) بدون لفظة : (( وإن الله يأمركم أن تصوموا … )) وقالعقبه
: (( ولم أرى الخامسة في كتابي )) ، وإسناد الحديث ضعيف .
(4) أخرجه : عبد الرزاق ( 5141
وقوله : ((
والصدقةُ تُطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النارَ )) هذا الكلامُرُويَ
عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن وجوهٍ أُخر ، فخرَّجه الإمامُ
أحمدوالترمذي من حديث كعب بن عُجرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،
قال : ((الصَّومُ جُنَّةٌ حصينةٌ ، والصَّدقةُ تُطفئ الخطيئةَ كما يُطفئُ
الماء النار ))((1)) .
وخرَّجه الطبراني وغيره من حديث أنس مرفوعاً ، بمعناه ((2)) .
وخرّجه الترمذي ((3)) وابنُ حبان في " صحيحه " ((4)) من حديث أنس ،
عنالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( إنَّ صدقة السِّرِّ لتطفئُ
غضبَالربِّ ، وتدفع مِيتةَ السُّوء )) .
ورُوي عن عليِّ بنِ الحسين : أنَّه كان يحملُ الخبزَ على ظهرهِ باللَّيل يتَّبِعُ
به المساكين في ظُلمة الليل ، ويقول : إنَّ الصَّدقة في ظلامِ((5)) اللَّيلِتُطفئُ
غضبَ الرَّبِّ - عز وجل - ((6)) . وقد قال الله - عز وجل - : { إِنْ تُبْدُواالصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ
وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُعَنْكُمْ مِنْ
سَيِّئَاتِكُمْ } ((7)) ، فدلَّ على أنَّ الصدقة يُكفَّر بها من السيئات : إمامطلقاً ، أو صدقة السر .
__________
(1) تقدم تخريجه .
(2) تقدم تخريجه .
(3) في " جامعه " ( 664 ) ، وقال : (( حسن غريب )) على أنَّ في إسنادهعبد الله بن عيسى الخزاز ضعيف .
(4) الإحسان ( 3309 ) .
(5) في ( ج ) : (( سواد )) .
(6) أخرجه : ابن أبي عاصم في " الزهد " : 16 ، وأبو نعيم في " حليةالأولياء " 3/135 - 136 .
(7) البقرة : 271 .
وقوله : ((
وصلاةُ الرَّجُلِ في جوف الليل )) ، يعني : أنَّها تُطفئ الخطيئةأيضاً
كالصَّدقة ، ويدلُّ على ذلك ما خرَّجه الإمام أحمد من رواية عُروة
بنالنَّزَّال ، عن معاذ قال : أقبلنا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
من غزوةتبوك، فذكر الحديثَ ، وفيه : (( الصَّومُ جنَّةٌ، والصَّدقةُ وقيامُ
العبد في جوفالليل يُكفر الخطيئة )) ((1)) .
وفي " صحيح مسلم " ((2)) عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليهوسلم -
، قال : (( أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ المكتوبة قيامُ الليل )) .
وقد رُوي عن جماعةٍ من الصحابة : أنَّ الناس يحترقون بالنهار بالذنوب ،
وكلَّماقاموا إلى صلاةٍ من الصَّلوات المكتوبات أطفؤوا ذنوبهم ، ورُوي ذلك
مرفوعاً منوجوهٍ فيها نظرٌ .
فكذلك قيامُ الليل يُكفر الخطايا ؛ لأنَّه أفضلُ نوافل الصلاة ، وفي
" الترمذي " ((3)
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) الصحيح 3/169 ( 1163 ) ( 202 ) و( 203 ) .
(3) الجامع الكبير ( 3549 ) .
وأخرجه : المروزي في " قيام الليل " ( 18 ) ، والروياني في " مسندالصحابة "
( 745 ) ، والشاشي ( 978 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان" ( 3087 ) ، وهذا
حديث ضعيف ،
قال الترمذي : (( غريب لا نعرفه من حديث بلال إلا من هذا الوجه ، ولا يصحّ
من قبل إسناده ؛ وسمعت محمد بن إسماعيل ، يقول : محمد القرشي هو : محمد بن
سعيد الشامي ، وهو : ابن قيس ، وهو : محمد بن حسّان ، وقد ترك
حديثه )) .
) من حديث بلال ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( عليكمبِقيام الليل ،
فإنَّه دأبُ الصالحين قَبلَكُم ، وإنَّ قيامَ الليل قربةٌ إلى الله - عز وجل - ،ومنهاةٌ عن
الإثم ، وتكفيرٌ للسيئات ، ومطردة للدَّاءِ عن الجسد )) . وخرَّجه أيضاً من حديث
أبي أُمامة ((1)) ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بنحوه ، وقال : هو أصحُّمن حديث بلال .
وخرَّجه ابن خزيمة ((2)) والحاكم ((3)) في " صحيحيهما " من حديث أبيأمامة
أيضاً .
وقال ابن مسعود : فضلُ صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على
صدقةالعلانية . وخرَّجه أبو نعيم عنه مرفوعاً ((4)) ، والموقوف ((5)) أصح .
وقد تقدَّم أنَّ صدقة السِّرِّ تُطفئُ الخطيئة ، وتُطفئ غضبَ الرَّبِّ ، فكذلكصلاةُ الليل .
__________
(1) الجامع الكبير ( 3549 م2) .
(2) مختصر المختصر ( 1135 ) ، وقلت في تعليقي هناك : (( هذا الحديث منكر من
منكراتمعاوية بن صالح ، وقد ساقه ابن عدي في كتابه " الكامل " ضمن منكراته
،وقد سبق إلى هذا الإعلال أبو حاتم الرازي فقد قال : (( وهو حديث منكر لم
يروه غيرمعاوية بن صالح ، وأظنه من حديث محمد بن سعيد الشامي الأزدي ؛
فإنَّه يروي هذاالحديث بإسنادٍ آخر )) علل الحديث ( 346 ) )) .
(3) المستدرك 1/308 .
وأخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7466 ) وفي " الأوسط " ،له ( 3265 ) ، والبيهقي 2/502 ، والبغوي ( 922 ) .
(4) في " حلية الأولياء " 4/167 و5/36 .
(5) في " حلية الأولياء " 4/167 و5/36 و7/238 .
وأخرجه: ابن أبي شيبة ( 6610 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 8998 ) و(8999 ) موقوفاً .
وقوله : ((
ثم تلا : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَرَبَّهُمْ
خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُنَفْسٌ
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا
كَانُوايَعْمَلُونَ } ((1)) ، يعني : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -
تلا هاتينالآيتين عندَ ذكره فضلَ صلاة الليل ، ليبيِّنَ بذلك فضل صلاة
الليل ، وقد رُويَ عنأنس أنَّ هذه الآية نزلت في انتظار صلاةِ العشاء ،
خرَّجه الترمذي وصححه ((2)) .ورُوي عنه أنَّه قال في هذه الآية : كانوا
يتنفلون بينَ المغرب والعشاء ، خرَّجهأبو داود ((3)) . وروي نحوه عن بلال ،
خرّجه البزار بإسنادٍ ضعيف ((4)) .
__________
(1) السجدة : 16 – 17 .
(2) في " جامعه " ( 3196 ) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21505 ) .
(3) في " سننه " ( 1322 ) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21505 ) .
(4) في " مسنده " ( 1364 ) . وفيه عبد الله بن شبيب ، قال عنه الهيثمي ( ضعيف )) . انظر : مجمع الزوائد 7/90 ، وكذا في السند علل أُخر .
وكلُّ هذا
يدخل في عموم لفظ الآية ، فإنَّ الله مدح الذين تتجافى جنوبُهم عنالمضاجع
لدعائه ، فيشملُ ذلك كلَّ مَنْ ترك النَّومَ بالليل لذكر الله ودُعائه
،فيدخلُ فيه مَنْ صلَّى بين العشاءين ، ومن انتظرَ صلاة العشاءِ فلم ينم
حتَّىيُصليها
لاسيما مع حاجته إلى النوم ، ومجاهدة نفسه على تركه لأداء الفريضة ، وقد
قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمنِ انتظرَ صلاةَ العشاء : (( إنَّكم لنتَزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم
الصَّلاة )) ((1)) .
ويدخلُ فيه مَنْ نامَ ثمَّ قام مِنْ نومه باللَّيل للتهجُّدِ ، وهو أفضلُ أنواعالتطوُّع بالصَّلاة مطلقاً .
وربما دخل فيه من ترك النَّوم عندَ طُلوع الفجر ، وقام إلى أداء صلاةِ
الصُّبح ،لاسيما مع غَلَبَةِ النَّوم عليه ، ولهذا يُشرع للمؤذِّن في أذان
الفجر أنْ يقولَفي أذانه : الصَّلاة خَيرٌ مِن النوم .
__________
(1) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 4074 ) ، وأحمد 3/182 و189 و200 و267 ، وعبد بن
حميد ( 1292 ) ، والبخاري 1/150 ( 572 ) و1/168 ( 661 ) و1/214 ( 847 )
و7/201 (5869 ) ، ومسلم 2/116 ( 640 ) ( 222 ) ، وأبو يعلى ( 3313 ) ، وأبو
عوانة 1/303 ،وابن حبان ( 1537 ) ، وأبو نعيم في " المسند المستخرج " (
1423 ) ،والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 6370 ) .
وقوله -
صلى الله عليه وسلم - : (( وصلاةُ الرَّجُلِ من جوف الليل )) ذكرأفضلَ
أوقات التهجُّد بالليل ، وهو جوفُ الليل ، وخرَّج الترمذي ((1))
والنَّسائي((2)) من حديث أبي أمامة ، قال : قيل : يا رسول الله ، أيُّ
الدُّعاء أسمع ؟ قالَ: (( جوفُ الليل الآخرِ ، ودُبُرُ الصَّلوات المكتوبات
)) .
وخرَّجه ابن أبي الدنيا ((3)) ، ولفظه : جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليهوسلم - ، فقال : أيُّ
الصلاة أفضل ؟ قال : (( جوفُ الليل الأوسط )) ، قال : أيُّ الدُّعاء أسمع ؟ قال
: (( دُبر المكتوبات )) .
وخرَّج النَّسائي ((4)) من حديث أبي ذرٍّ قال : سألتُ النَّبيَّ - صلى الله
عليهوسلم - أي الليل خير ؟ قالَ : (( خير الليل جوفه )) . وخرَّج الإمام
أحمد ((5)) منحديث أبي مسلم قال : قلت لأبي ذرٍّ : أيُّ قيام الليل أفضل ؟
قال : سألت النَّبيَّ- صلى الله عليه وسلم - كما سألتني ، فقال :
(( جوفُ اللَّيل الغابر ((6)) ، أو نصف الليل ، وقليلٌ فاعله )) .
__________
(1) في " جامعه " ( 3499 ) ، وقال الترمذي : (( هذا حديث حسن )) علىأنَّ
إسناده قد أعل بالانقطاع فقد أعل سند الحديث ابن القطان فقال : (( اعلم
أنَّما يرويه ابن سابط ، عن أبي أمامة ، هو منقطع لم يسمع منه )) بيان
الوهم والإيهام2/385 ( 387 ) .
(2) في " الكبرى " ( 9936 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له (108 ) .
(3) في " التهجد " ( 240 ) .
(4) في " الكبرى " ( 4216 ) .
وأخرجه : البخاري في " التاريخ الكبير " 2/36 ( 1635 ) ثم ساقه مرسلاً ،وظاهر صنيعه أنَّه أعله بالإرسال .
(5) في " مسنده " 5/179 .
وأخرجه : النسائي في " الكبرى " ( 1308 ) ، وابن حبان ( 2564 ) ،والبيهقي
3/4 ، وإسناده ضعيف المهاجر أبو خالد قال عنه أبو حاتم : (( لين الحديثليس
بذاك ، وليس
بالمتقن ، يكتب حديثه )) ؛ لكن للحديث شواهد تقويه .
(6) أي : الباقي .
وخرَّج
البزار ((1)) ، والطبراني ((2)) من حديث ابنِ عمر ، قال : سُئلَالنَّبيُّ -
صلى الله عليه وسلم - : أيُّ الليل أجوبُ دعوةً ؟ قالَ: (( جوف الليل)) ،
زاد البزار في روايته : (( الآخر )) .
وخرَّج الترمذي ((3)) من حديثِ عمرو بن عبسة ، سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم- يقول
: (( أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن
تكونَممَّن يذكر الله في تلك الساعة فكن )) ، وصححه ، وخرَّجه الإمام أحمد
((4)) ،ولفظه قالَ : قلتُ : يا رسول الله ، أيُّ الساعات أفضلُ ؟ قال : ((
جوفُ الليلالآخر )) وفي روايةٍ ((5)) له أيضاً : قال : (( جوف الليل الآخر
أجوبُه دعوةً )) ،وفي روايةٍ ((6)
__________
(1) كما في " كشف الأستار " ( 3151 ) .
(2) في " الأوسط " ( 3428 ) ، وفي " الصغير " ، له ( 347 ) .
(3) في " جامعه " ( 3579 ) . =
= وأخرجه : النسائي 1/279 وفي " الكبرى " ، له ( 1544 ) ، وابن خزيمة (1147
) ، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1/37 و352 ، والحاكم 1/309 .
(4) في " مسنده " 4/112 و385 .
وأخرجه : ابن سعد في " الطبقات " 4/164 – 165 ، وعبد بن حميد ( 300 ) .
(5) في " مسنده " 4/387 ، وإسناد هذه الرواية ضعيف ، وقد اضطرب راويهاففي بعضها
: (( أوجبه )) .
وأخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 5/154 .
(6) في " مسنده " 4/114 .
وأخرجه : عبد بن حميد ( 297 )، والنسائي 1/279 و283 وفي "الكبرى" ، له (1544 ) و( 1560 ) ، وابن خزيمة ( 1147 ) ، وهو حديث صحيح .
) له : قلتُ : يا رسول الله ، هل مِنْ ساعةٍ أقربُ إلى الله من أخرى ؟ قال (
جوف الليل الآخر ((1)) )) . وخرَّجه ابن ماجه ((2)) ، وعنده : (( جوفُ
اللَّيلالأوسط )) وفي روايةٍ للإمام أحمد ((3)) عن عمرو بن عبسة ، قال :
قلتُ : يا رسولالله ، هل من ساعةٍ أفضلُ من ساعةٍ ؟ قال : (( إنَّ الله
ليتدلَّى في جوف الليل ،فيغفر إلاَّ ما كان من الشرك )) .
وقد قيل : إنَّ جوف الليل إذا أطلق ، فالمرادُ به وسطُه ، وإنْ قيل : جوف
الليلالآخر ، فالمرادُ وسط النِّصف الثاني ، وهو السدسُ الخامسُ من أسداس
الليل ، وهوالوقتُ الذي ورد فيه النزول الإلهي .
__________
(1) من قوله : (( أجوبه دعوة … )) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(2) في " سننه " ( 1251 ) ، وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن طلق وعبد الرحمنبن البيلماني .
(3) في " مسنده " 4/385 ، وإسناده ضعيف لانقطاعه بين سليم بن عامر وعمربن عَبسة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أُخبرك برأسِ الأمر وعموده وذِروةسنامه ؟ )) قلتُ : بلى
يا رسول الله ، قال : (( رأسُ الأمر الإسلام ، وعمودُه الصلاةُ ، وذِروةُ سنامه
الجهادُ )) ، وفي روايةٍ للإمام أحمد من رواية شهر بن حوشب ، عن ابن غَنْمٍ
، عنمعاذ قال : قال لي نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنْ شئتَ
حدَّثتُكبرأسِ هذا الأمرِ وقِوام هذا الأمرِ وذِروة السَّنام )) ، قلتُ :
بلى ، فقال رسولالله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ رأسَ هذا الأمر أنْ
تشهدَ أنْ لا إله إلاالله وحدَه لا شريكَ له ، وأنَّ محمَّداً عبده ورسولُه
، وإنَّ قِوام هذا الأمرإقام الصَّلاة ، وإيتاءُ الزكاة ، وإنَّ ذِروة
السَّنام منه الجهادُ في سبيل الله، إنَّما أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ
حتّى يُقيموا الصّلاة ، ويؤتوا الزَّكاة ،ويشهدوا أنْ لا إله إلا الله ،
وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك ، فقداعتصموا وعصموا دماءهم
وأموالهم إلاَّ بحقِّها ، وحسابُهم على الله - عز وجل - )). وقال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - :
(( والذي نفسُ محمدٍ بيده ، ما شحب وجهٌ ، ولا اغبرَّت قدمٌ في عملٍ يُبتغى
فيهدرجات الجنَّة بعدَ الصلاة المفروضة كجهادٍ في سبيل الله ، ولا ثَقَّلَ
ميزانَعبدٍ كدابَّةٍ تنفق له في سبيل الله ، أو يُحمل عليها في سبيل الله -
عز وجل - ))((1)) .
فأخبر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاثة أشياء : رأس الأمر ، وعموده ،وذروة سنامه .
فأمَّا رأس الأمر ، ويعني بالأمر : الدين الذي بعث به وهو الإسلام ، وقد
جاءتفسيرُه في الرواية الأخرى بالشهادتين ، فمن لم يقرَّ بهما ظاهراً
وباطناً ، فليسَمن الإسلام في شيء .
__________
(1) سبق تخريجه .
وأمَّا قِوام الدين الذي يقومُ به الدِّين كما يقومُ الفسطاطُ على عموده ، فهو
الصلاة ، وفي الرواية الأخرى : (( وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة )) وقد سبق القولُفي أركان الإسلام وارتباط بعضها ببعض .
وأمَّا ذِروة سنامه - وهو أعلى ما فيه وأرفعه - فهو الجهاد ، وهذا يدلُّ
على أنَّهأفضلُ الأعمال بعدَ الفرائض ، كما هو قولُ الإمام أحمد وغيره من
العلماء .
وقوله في رواية الإمام أحمد : (( والذي نفس محمدٍ بيده ما شحب وجهٌ ولا
اغبرَّتقدمٌ في عمل يُبتغى به درجات الجنَّة بعدَ الصَّلاة المفروضة كجهادٍ
في سبيلِ الله- عز وجل - )) يدلُّ على ذلك صريحاً .
وفي " الصحيحين " ((1)) عن أبي ذرٍّ ، قال : قلتُ : يا رسولَ اللهِ ،أيُّ العمل أفضلُ ؟ قال : (( إيمانٌ بالله وجهادٌ في سبيله )) .
وفيهما ((2)) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
((أفضلُ الأعمال إيمانٌ بالله ، ثمَّ جهاد في سبيل الله )) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرةٌ جداً .
وقوله : (( ألا أُخبرك بملاك ذلك كُلِّه )) قلتُ : بلى يا رسول الله ، فأخذ
بلسانهفقال : (( كُفَّ عليك هذا )) إلى آخر الحديث . هذا يدلُّ على أنَّ
كفَّ اللسانوضبطه وحبسه هو أصلُ الخير كُلِّه ، وأنَّ من ملك لسانه ، فقد
ملك أمرهوأحكمه((3)) وضبطه ، وقد سبق الكلامُ على هذا المعنى في شرح حديث :
(( من كان يؤمنبالله واليوم الآخر ، فليقل خيراً ، أو ليصمت )) ((4)) .
وفي شرح حديث : (( قل :آمنتُ باللهِ ، ثم استقم )) ((5)) . وخرَّج البزار
في " مسنده " ((6)
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) أخرجه : البخاري 2/164 ( 1519 ) ، ومسلم 1/61 ( 83 ) ( 135 ) .
(3) سقطت من ( ص ) .
(4) الحديث الخامس عشر .
(5) الحديث الحادي والعشرون .
(6) البحر الزخار ( 2302 ) .
وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 10/300 .
) من حديث أبي اليَسَر((1)) أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله ، دلَّني على عملٍيُدخلني الجنَّة ، قال
: (( أمسك هذا )) ، وأشار إلى لسانه ، فأعادها عليه ، فقال : (( ثكلتك أمُّك ،
هل يَكُبُّ النَّاسَ على مناخرهم في النَّار إلاَّ حصائدُ ألسنتهم )) وقال :إسناده
حسن .
والمرادُ بحصائد الألسنة : جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته ؛ فإنَّ
الإنسانَ يزرعبقوله وعمله((2)) الحسنات والسَّيِّئات ، ثم يَحصُدُ يومَ
القيامة ما زرع ، فمنزرع خيراً من قولٍ أو عملٍ حَصَد الكرامةَ ، ومن زرع
شرَّاً مِنْ قولٍ أو عملٍ حصدغداً النَّدامة .
وظاهرُ حديثِ معاذ يدلُّ على أنَّ أكثر ما يدخل النَّاسُ به النار
النُّطقُبألسنتهم، فإنَّ معصية النُّطق يدخل فيها الشِّركُ وهو أعظمُ
الذنوب عندَ الله -عز وجل - ((3))، ويدخل فيها القولُ على الله بغير علم ،
وهو قرينُ الشِّركِ ،ويدخلُ فيه شهادةُ الزُّور التي عدَلت الإشراك بالله -
عز وجل - ، ويدخلُ فيهاالسِّحر والقذفُ وغيرُ ذلك مِنَ الكبائر والصَّغائر
كالكذب والغيبةِ والنَّميمة ،وسائرُ المعاصي الفعلية لا يخلو غالباً من
قول يقترن بها يكون معيناً عليها .
وفي حديث أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ((
أكثرُ مايُدخِلُ النَّاسَ النارَ الأجوفان : الفمُ والفرجُ )) خرَّجه
الإمام أحمد ((4))والترمذي ((5)) .
وفي " الصحيحين " ((6)
__________
(1) أبو اليَسَر ، بفتح التحتانية والمهملة : كعب بن عمرو بن عباد السَّلمي ،بالفتح ، صحابي بدريٌّ جليل . التقريب ( 5646 ) .
(2) سقطت من ( ص ) .
(3) عبارة : (( عند الله - عز وجل - )) لم ترد في ( ص ) .
(4) في " مسنده " 2/291 و392 و442 .
(5) في " جامعه " ( 2004 ) ، وقال الترمذي : (( صحيح غريب )) .
(6) أخرجه : البخاري 8/125 ( 6477 ) ، ومسلم 8/222 – 223 ( 2988 ) ( 50 ) .
وأخرجه : ابن حبان ( 5707 ) و( 5708 ) ، والبيهقي 8/164 وفي " شعب الإيمان"، له
( 4956 ) .
) عن أبي
هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( إنَّ
الرجلَليتكلَّمُ بالكلمة ما يتبيَّنُ ما فيها ، يَزِلُّ بها في النَّار
أبعدَ ما بينَالمشرق والمغرب )) وخرَّجه الترمذي ((1)) ، ولفظه : (( إنَّ
الرجلَ ليتكلَّمبالكلمة لا يرى بها بأساً ، يهوي بها سبعين خريفاً في النار
)) .
وروى مالك ((2)) ، عن زيد بنِ أسلم ، عن أبيه : أنَّ عمرَ دخل على أبي بكر
الصديقرضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه ، فقال عمر((3)) : مه ، غفر الله لك !
فقال أبوبكرٍ : هذا أوردني الموارد .
وقال ابنُ بريدة : رأيتُ ابنَ عبَّاسٍ آخذاً بلسانه وهو يقول : ويحك ، قُلْ
خيراًتغنم، أو اسكت عن سُوءٍ تسلم، وإلا فاعلم أنَّك ستندم، قال: فقيل له:
يا ابنعبَّاس، لم تقولُ هذا ؟ قال: إنّه بلغني أنَّ الإنسان -أراه قال-
ليس على شيءٍ منجسده أشدُّ حنقاً أو غيظاً يَوْمَ القيامةِ منه على لسانه
إلا من قال به خيراً، أوأملى به خيراً ((4)) .
وكان ابن مسعود يحلِفُ بالله الذي لا إله إلا هو : ما على الأرض شيءٌ
أحوج إلى طولِ سجنٍ من لسان ((5)) .
وقال الحسن : اللسان أميرُ البدن ، فإذا جنى على الأعضاء شيئاً جنت ، وإذا عفَّعفت ((6)) .
__________
(1) في " جامعه " ( 2314 ) ، وقال : (( حسن غريب )) على أنَّ الحديثصحيح .
وأخرجه : أحمد 2/236 و297 و355 ، وابن ماجه ( 3970 ) ، وابن أبي عاصم : 15 و394 ،وأبو يعلى ( 6235 ) ، والحاكم 4/597 .
(2) في " الموطأ " ( 2825 ) برواية الليثي .
(3) لم ترد في ( ص ) .
(4) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 1047 ) ، وأبو نعيم في " حليةالأولياء " 1/327 – 328 .
(5) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 26499 ) ، وهناد بن السري في " الزهد " (1095 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1/134 .
(6) أخرجه : ابن أبي الدنيا في " الصمت " ( 59 ) .
وقال يونس بنُ عبيد : ما رأيتُ أحداً لسانه منه على بالٍ إلا رأيتُ ذلك صلاحاًفي سائر عمله ((1)) .
وقال يحيى بن أبي كثير : ما صلح منطقُ رجل إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله ، ولا فسدمنطقُ رجل قطُّ إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله ((2)) .
وقال المبارك بن فضالة ، عن يونس بن عبيد : لا تجدُ شيئاً مِنَ البرِّ
واحداًيتَّبعه البِرُّ كلّه غيرَ اللسان ، فإنَّك تَجِدُ الرجل يصومُ
النهار ، ويُفطرعلى حرام ، ويقومُ الليل ويشهد بالزور بالنهار - وذكرَ
أشياءَ نحو هذا - ولكن لاتجده لا يتكلَّم إلا بحقٍّ فَيُخالف ذلك عمله
أبداً ((3)) .
__________
(1) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 112 ) ( ط دار الكتب العلمية ) .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 3/68 .
(3) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 113 ) ( ط دار الكتب العلمية ) .
الله عنه - قال : قُلتُ : يا رَسولَ الله أَخبِرني بِعَمَلٍ
يُدخِلُنيالجَنَّةَ ويُباعِدُني مِنَ النَّارِ ، قال : (( لقَدْ سَأَلْتَ
عَنْ عَظيمٍوإنَّهُ لَيَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه : تَعْبُدُ
الله لا تُشْرِكُ بهِشيئاً ، وتُقيمُ الصَّلاةَ ، وتُؤتِي الزَّكاةَ ،
وتَصُومُ رَمضَانَ ، وتَحُجُّالبَيتَ )) . ثمَّ قالَ : (( ألا أَدُلُّكَ
على أبوابِ الخير ؟ الصَّومُ جُنَّةٌ ،والصَّدقَةُ تُطْفِئُ الخَطيئَةَ
كَما يُطفئُ الماءُ النارَ ، وصَلاةُ الرَّجُلِمِنْ جَوفِ اللَّيلِ ، ثمَّ
تلا : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ }حتَّى بَلَغَ : {
يَعْمَلُوْنَ } ((1)) ، ثُمَّ قالَ : (( أَلا أُخْبِرُكُ برَأْسِالأمْرِ
وعَمودِه وذِرْوَة سنامِهِ ؟ )) قُلتُ : بَلَى يا رَسولَ الله ، قال :
((رَأسُ الأمْرِ الإسلامُ ، وعَمُودُه الصَّلاةُ ، وذِرْوَةُ سَنامِهِ
الجهادُ )) ،ثم قال : (( ألا أُخبِرُكَ بمَلاكِ ذلك كُلِّهِ ؟ )) ، قلتُ :
بلى يا رسول الله ،فأخذ بلسانه ، قال : (( كُفَّ عَلَيكَ هذا )) ، قلتُ :
يا نَبيَّ الله ، وإنَّالمُؤَاخَذُونَ بِما نَتَكَلَّمُ بهِ ؟ فقالَ :
(( ثَكِلتْكَ أُمُّكَ ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجوهِهِمْ
، أوعلى مَنَاخِرِهم إلاَّ حَصائِدُ أَلسِنَتِهِم )) . رواهُ الترمذيُّ ،
وقال :حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ .
هذا الحديث خرَّجه الإمام أحمد ((2)) ، والترمذي ((3)) ، والنَّسائي ((4)) ، وابنماجه ((5)
__________
(1) السجدة : 16 – 17 .
(2) في " مسنده " 5/231 .
(3) في " جامعه " ( 2616 ) .
(4) في " الكبرى " ( 11394 ) وفي " التفسير " ، له ( 414 ) .
(5) في " سننه " ( 3973 ) .
وأخرجه : معمر في " جامعه " ( 20303 ) ، وعبد بن حميد ( 112 ) ،والمروزي في
" تعظيم قدر الصلاة " ( 196 ) ، والطبراني في " الكبير " 20/(266 ) ، والقضاعي في
" مسند الشهاب " ( 104 ) ، والبيهقي في " الشعب " ( 3350 ) ،والبغوي ( 11 ) .
) من رواية معمر ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن معاذ بن
جبل ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
وفيما قاله - رحمه الله - نظر من وجهين :
أحدهما : أنَّه لم يثبت سماعُ أبي وائل من معاذ ، وإنْ كان قد أدركه
بالسِّنِّ ،وكان معاذٌ بالشَّام ، وأبو وائل بالكوفة ، وما زال الأئمةُ -
كأحمد وغيره -يستدلُّون على انتفاء السَّماع بمثل هذا ، وقد قال أبو حاتم
الرازي في سماع أبيوائل من أبي الدرداء : قد أدركه ، وكان بالكُوفة ، وأبو
الدَّرداء بالشام ، يعني :أنَّه لم يصحَّ له سماع منه ((1)) . وقد حكى أبو
زرعة الدِّمشقي عن قوم أنَّهمتوقَّفُوا في سماعِ أبي وائل من عمر ، أو نفوه
، فسماعه من معاذ أبعد .
والثاني : أنَّه قد رواه حمَّادُ بنُ سلمة ، عن عاصم بن أبي النَّجود ، عن
شهر بنحوشبٍ ، عن معاذ ، خرَّجه الإمام أحمد مختصراً ((2)) ، قال الدارقطني
((3)) : وهوأشبهُ بالصَّواب ؛ لأنَّ الحديثَ معروفٌ من رواية شهرٍ على
اختلافٍ عليه فيه .
قلت : ورواية شهر عن معاذ مرسلةٌ يقيناً ((4)) ، وشهرٌ مختلفٌ في توثيقه
وتضعيفه((5)) ، وقد خرَّجه الإمامُ أحمد من رواية شهر ، عن عبدِ الرحمن بن
غَنْمٍ ، عنمعاذ ((6)
__________
(1) انظر : المراسيل لابن أبي حاتم ( 319 ) .
(2) في " مسنده " 5/248 .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21515 ) ، والطبراني في " الكبير" 20/( 200 ) .
(3) في " العلل " 6/79 س ( 988 ) .
(4) انظر : الكنى للبخاري ( 201 ) .
(5) انظر : الجرح والتعديل 4/347 ( 1668 ) ، وتهذيب الكمال 3/411 ( 2767 ) .
(6) في " مسنده " 5/235 و236 و245 .
وأخرجه : ابن المبارك في " الجهاد " ( 31 ) ، والبزار ( 2669 ) و( 2670) ، والطبراني في
" الكبير " 5/( 115 ) و( 116 ) و( 140 ) وفي " مسند الشاميين" ، له ( 222 ) .
) ،
وخرَّجه الإمام أحمد أيضاً من رواية عُروة بن النزَّال ، أو النزال ابنعروة
، وميمون بن أبي شبيب ((1)) ، كلاهما عن معاذ ، ولم يسمع عروةُ ولا ميمونُ
منمعاذ ، وله طرقٌ أخرى عن معاذ كلُّها ضعيفة ((2)) .
وقوله : (( أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنَّةَ ، ويُباعدني من النَّار )) قد
تقدَّم فيشرح الحديث الثاني والعشرين من وجوه ثابتة من حديث أبي هريرة وأبي
أيوب وغيرهما :أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن مثل هذه
المسألة ، وأجاب بنحو ماأجاب به في حديث معاذ .
__________
(1) في " مسنده " 5/237 .
وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 30314 ) ، وابن أبي عاصم في " الجهاد " ( 16 )وفي "
الزهد " ، له ( 7 ) ، والنسائي 4/166 ، والطبري في " تفسيره" ( 21515 ) ،
والطبراني في " الكبير " 20/( 304 ) و( 305 ) ،والحاكم 2/76 و412 .
(2) أخرجه : أحمد 5/234 ، والبزار ( 2651 ) ، والطبراني في " مسند
الشاميين" ( 1492 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 5/154 عن عطية بن
قيسبلفظ : (( الجهاد عمود الإسلام ، وذروة سنامه )) .
وفيه بكير بن عبد الله بن أبي مريم ( أبو بكر ) ، سئل عنه أحمد بن حنبل
فقال : ((ضعيف كان عيسى لا يرضاه )) ، وسئل عنه يحيى بن معين فضعفه ، وقال
أبو زرعة الرازي: (( ضعيف ، منكر الحديث )) . انظر : الجرح والتعديل 2/327 –
328 ، وتهذيب الكمال2/252
( 7836 ) .
وفي رواية
الإمام أحمد في حديث معاذ أنَّه قال : يا رسول الله ، إنِّي أريدُأنْ
أسألَكَ عن كلمةٍ((1)) قد أمرضَتنِي وأسقمتني وأحزنتني ، قال : (( سل
عمَّاشئتَ )) ، قال : أخبرني بعملٍ يدخلُنِي الجنَّة لا أسألكَ غيرَه ،
وهذا يدلُّ علىشدَّةِ اهتمامِ معاذٍ - رضي الله عنه - بالأعمال الصَّالحة ،
وفيه دليلٌ على أنَّالأعمالَ سببٌ لدخول الجنَّة ، كما قال تعالى : {
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِيأُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
((2)) .
وأما قولُه - صلى الله عليه وسلم - : (( لَنْ يدخُلَ أحدٌ منكُمُ الجنَّة
بِعمَلِه)) ((3)) فالمراد - والله أعلم - أنَّ العملَ بنفسه لا يستحقُّ به
أحدٌ الجنَّةلولا أنَّ الله جعله - بفضله ورحمته - سبباً لذلك ، والعملُ
نفسُه من رحمة اللهوفضله على عبده ، فالجنَّةُ وأسبابُها كلٌّ من فضل الله
ورحمته .
__________
(1) في ( ص ) : (( مسألة )) .
(2) الزخرف : 72 .
(3) أخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 1445 ) ، والطيالسي (2322 )
، وابن الجعد ( 2772 ) ، وأحمد 2/235 و326 و390 و451 و473 و509 و514 و524
،والبخاري 8/128 ( 6463 ) وفي " الأدب المفرد " ، له ( 461 ) ، ومسلم8/138
( 2816 ) ( 71 ) ، وابن ماجه ( 4201 ) ، وأبو يعلى ( 1243 ) ، وابن حبان (
348 )و( 660 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 8004 ) ، والقضاعي في "
مسندالشهاب "
( 626 ) ، والبيهقي 3/18 وفي " الشعب " ، له ( 766 ) و( 10149 ) من طرقعن أبي هريرة ، به .
وقوله : ((
لقد سألتَ عن عظيم )) قد سبق في شرح الحديث المشار إليه أنَّالنَّبيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قال لِرجل سأله عن مثل هذا : (( لئن كُنتَ
أوجزتالمسألة ، لقد أعظمتَ
وأطولتَ )) ((1)) ، وذلك لأنَّ دخولَ الجنَّة والنَّجاةَ من النار أمرٌ
عظيم جداً، ولأجله أنزل الله الكتب ، وأرسلَ الرُّسلَ ، وقال النَّبيُّ -
صلى الله عليهوسلم - لرجلٍ : (( كيف تقولُ إذا
صلَّيتَ ؟ )) قال : أسألُ الله الجنَّة ، وأعوذُ به من النار ، ولا
أُحسِنُدندنَتَك ((2)) ولا دندَنَة مُعاذ ، يشير إلى كثرة دعائهما
واجتهادهما في المسألة، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - :
(( حَوْلَها نُدَندِن )) . وفي روايةٍ : (( هل تصير دندنتي ودندنةُ مُعاذٍ إلا أنْنسأل الله
الجنَّةَ ، ونعوذ به من النار )) ((3)) .
__________
(1) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7284 ) ، وقد تقدم .
(2) الدندنة الكلام الذي لا يفهم . انظر : مختصر المختصر لابن خزيمة عقيب حديث (725 ) .
(3) أخرجه : أحمد 5/74 ، وابن ماجه ( 910 ) و( 3847 ) ، وابن خزيمة ( 725 )
، وابنحبان ( 868 )، والبيهقي في "الصغرى" ( 467 ) عن أبي هريرة ، به ،
وهوحديث صحيح .
وقد أبهم اسم الصحابي في " مسند الإمام أحمد " فقال : (( عن بعض أصحابالنبي - صلى الله عليه وسلم - )) .
وقوله : ((
وإنَّه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه )) إشارةٌ إلى أنَّالتَّوفيقَ
كُلَّه بيد الله - عز وجل - ، فمن يسَّرَ الله عليه الهدى اهتدى ، ومنلم
يُيسره عليه، لم يتيسَّر له ذلك ، قالَ الله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ
أَعْطَىوَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
وَأَمَّا مَنْبَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى } ((1))، وقال - صلى الله عليه وسلم -
: (( اعملوا فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِقَ لهُ ، أمَّا أهل السَّعادة ،
فيُيسَّرونلعمل أهل السَّعادة ، وأمَّا أهل الشَّقاوة ، فيُيَسَّرون لعمل
أهل الشقاوة )) ،ثم تلا - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ((2)) . وكان
النَّبيُّ - صلى الله عليهوسلم - يقولُ في دعائه: (( واهدني ويسِّر الهُدى
لي )) ((3)) ، وأخبر الله عن نبيهموسى - عليه السلام - أنَّه قال في دعائه:
{ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْلِي أَمْرِي } ((4))، وكان ابنُ عمر
يدعو : اللهمَّ يسرني
__________
(1) الليل : 5 – 10 .
(2) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20074 ) ، والطيالسي ( 151 ) ، وأحمد1/129
، وعبد ابن حميد ( 84 ) ، والبخاري 2/120 ( 1362 ) و6/212 ( 4947 ) و(
4948)
و( 4949 ) وفي " الأدب المفرد " ، له ( 903 ) ، ومسلم 8/45 ( 2647 ) ( 6) ،
وأبو داود ( 4694 ) ، وأبو يعلى ( 582 ) ، والبغوي ( 72 ) عن علي بن أبي
طالب، به .
(3) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 29390 ) ، وأحمد 1/227 ، وعبد بن حميد ( 717 )
،والبخاري في " الأدب المفرد " ( 665 ) ، وأبو داود ( 1510 ) و( 1511 )
،والترمذي
( 3551 ) ، وابن ماجه ( 3830 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (607 )
، وابن حبان ( 947 ) و( 948 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 1411 )و( 1412 )
، والحاكم 1/519 - 520 ، والبغوي ( 1375 ) ، وقال الترمذي : (( حسنٌصحيح
)) .
(4) طه : 25 - 26 .
لليُسرى ، وجنِبني العُسرى ((1)) .
وقد سبق في شرح الحديث المشار إليه توجيهُ ترتيب دخول الجنَّة على الإتيان
بأركانالإسلام الخمسة ، وهي : التَّوحيدُ ، والصَّلاةُ ، والزَّكاةُ ،
والصِّيام ،والحجُّ .
وقوله : (( ألا أدلُّكَ على أبوابِ الخيرِ )) لمَّا رتَّبَ دخولَ الجنَّة
علىواجبات الإسلام ، دلَّه بعد ذلك على أبواب الخيرِ مِنَ النَّوافِل ،
فإنَّ أفضلَأولياءِ الله هُمُ المقرَّبون ، الذين يتقرَّبون إليه
بالنَّوافل بعدَ أداءِالفرائض .
وقوله : (( الصومُ جنَّة )) هذا الكلام ثابتٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه
وسلم -من وجُوهٍ كثيرةٍ ، وخرَّجاه في " الصحيحين " ((2)) من حديث أبي
هريرة ،عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وخرَّجه الإمام أحمد ((3))
بزيادة ، وهي ( الصِّيام جنَّةٌ وحِصْنٌ حصينٌ مِنَ النَّار )) .
وخرّج من حديث عثمان بن أبي العاص ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال ( الصوم جنَّةٌ مِنَ النَّارِ((4)) ، كجُنَّة أحدكم من القِتال )) ((5)) .
__________
(1) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 29861 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء "1/308 .
(2) صحيح البخاري 3/31 ( 1894 ) ، وصحيح مسلم 3/156 ( 1151 ) ( 162 ) .
وأخرجه : مالك في " الموطأ " ( 860 ) برواية الليثي ، وأحمد 2/465 ،وأبو داود
( 2363 ) ، والنسائي ( 3252 ) و( 3253 ) ، وابن حبان ( 3427 ) .
(3) في " مسنده " 2/402 .
وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 3571 ) .
(4) عبارة : (( من النار )) سقطت من ( ص ) .
(5) في " مسنده " 4/21 و22 و217 ، وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق ،والحديث في " مختصر المختصر " ( 1891 ) وراجع تخريجه هناك .
ومن حديث
جابر ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( قال ربُّنا- عز
وجل - : الصِّيام جنَّةٌ يستجِنُّ بها العبدُ من النَّار )) ((1)) .
وخرَّج أحمد ((2)) والنَّسائي ((3)) من حديث أبي عُبيدة ، عنِ النَّبيِّ - صلىالله عليه وسلم - ، قال :
(( الصِّيام جنَّة ما لم يَخْرِقْها )) ، وقوله : (( ما لم يخرقها )) ،
يعني :بالكلام السيء ونحوه ، ولهذا في حديث أبي هريرة المخرج في " الصحيحين
"((4)) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
: (( الصيام جنَّة ، فإذا كان يومُ صومِ أحدكم ، فلا يرفث ، ولا يجهل ، فإن امرؤٌسابَّه فليقل : إني امرؤ صائم )) .
وقال بعضُ السَّلف : الغيبةُ تخرقُ الصِّيامَ ، والاستغفارُ يرقَعُهُ ، فمن استطاعمنكم أنْ لا يأتي بصوم مخرَّقٍ فليفعل ((5)) .
وقال ابنُ المنكدر : الصائمُ إذا اغتاب خرق ، وإذا استغفر رقع .
وخرَّج الطبراني ((6)
__________
(1) أخرجه : أحمد 3/341 و396 ، وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة .
(2) في " مسنده " 1/195 و196 ، وإسناده لا بأس به .
(3) في " المجتبى " 4/167 و168 .
(4) سبق تخريجه .
(5) أخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 3644 ) عن أبي هريرة .
(6) في " الأوسط " ( 4536 ) و( 7814 ) .
وأخرجه : ابن عدي في " الكامل " 4/32 .
وفيه الربيع بن بدر ، قال عنه يحيى بن معين : (( بصريٌّ ضعيف ليس بشيء )) ،
وقالالبخاري : (( يقال له : عليلة بن بدر السعدي التميمي بصري )) ، وقال
أبو داود : ((ضعيف )) ، وقال أبو حاتم : (( لا يشتغل به ولا بروايته ،
فإنَّه ضعيف الحديث ذاهبالحديث )) .
انظر : الكامل 4/29 ، وتهذيب الكمال 2/457 ( 1839 ) .
وهو كذلك من رواية الحسن عن أبي هريرة ، وقد قال أبو حاتم الرازي ، والذهبي
بعدمسماع الحسن من أبي هريرة . انظر على سبيل المثال : المراسيل لابن أبي
حاتم ( 102 )و( 103 )
و( 104 )… إلخ ، وسير أعلام النبلاء 4/566 .
) بإسنادٍ
فيه نظرٌ عن أبي هريرة مرفوعاً : (( الصِّيامُ جُنَّةٌ ما لم يخرقها)) ،
قيل : بم يخرقه ؟ قال : (( بكذبٍ أو غيبةٍ ((1)) )) .
فالجُنَّة : هي ما يستجنُّ بها العبد ، كالمجنِّ الذي يقيه عندَ القتالِ
منالضَّرب ، فكذلك الصيام يقي صاحبه منَ المعاصي في الدُّنيا ، كما قال -
عز وجل - :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَعَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
((2)) ،
فإذا كان له جُنَّةٌ من المعاصي ، كان له في الآخرة جُنَّةٌ من النار ،
وإنْ لميكن له جُنَّةٌ في الدنيا من المعاصي ، لم يكن له جُنَّةٌ في الآخرة
من النار .
وخرَّج ابنُ مردويه من حديث عليٍّ مرفوعاً ، قال : (( بعث الله يحيى بن
زكريا إلىبني إسرائيل بخمس كلماتٍ )) ، فذكر الحديثَ بطوله ، وفيه : ((
وإنَّ الله يأمُركُمأنْ تصُوموا ، ومَثَلُ ذلك كمثل رجلٍ مشى إلى عدوِّه ،
وقد أخذَ للقتال جُنَّةً ،فلا يخافُ من حيث ما أُتي )) ((3)) . وخرَّجه من
وجهٍ آخر عن عليٍّ موقوفاً ، وفيهقال : (( والصيامُ مَثَلُه كمثل رجلٍ
انتصره النَّاسُ ، فاستحدَّ في السِّلاح ،حتَّى ظنَّ أنَّه لن يصل إليه
سلاحُ العدوِّ ، فكذلك الصيامُ جنَّة )) ((4)) .
__________
(1) من قوله : (( قيل بم يخرقه … )) إلى سقط من ( ص ) .
(2) البقرة : 183 .
(3) أخرجه : البزار ( 695 ) بدون لفظة : (( وإن الله يأمركم أن تصوموا … )) وقالعقبه
: (( ولم أرى الخامسة في كتابي )) ، وإسناد الحديث ضعيف .
(4) أخرجه : عبد الرزاق ( 5141
وقوله : ((
والصدقةُ تُطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النارَ )) هذا الكلامُرُويَ
عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن وجوهٍ أُخر ، فخرَّجه الإمامُ
أحمدوالترمذي من حديث كعب بن عُجرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،
قال : ((الصَّومُ جُنَّةٌ حصينةٌ ، والصَّدقةُ تُطفئ الخطيئةَ كما يُطفئُ
الماء النار ))((1)) .
وخرَّجه الطبراني وغيره من حديث أنس مرفوعاً ، بمعناه ((2)) .
وخرّجه الترمذي ((3)) وابنُ حبان في " صحيحه " ((4)) من حديث أنس ،
عنالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( إنَّ صدقة السِّرِّ لتطفئُ
غضبَالربِّ ، وتدفع مِيتةَ السُّوء )) .
ورُوي عن عليِّ بنِ الحسين : أنَّه كان يحملُ الخبزَ على ظهرهِ باللَّيل يتَّبِعُ
به المساكين في ظُلمة الليل ، ويقول : إنَّ الصَّدقة في ظلامِ((5)) اللَّيلِتُطفئُ
غضبَ الرَّبِّ - عز وجل - ((6)) . وقد قال الله - عز وجل - : { إِنْ تُبْدُواالصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ
وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُعَنْكُمْ مِنْ
سَيِّئَاتِكُمْ } ((7)) ، فدلَّ على أنَّ الصدقة يُكفَّر بها من السيئات : إمامطلقاً ، أو صدقة السر .
__________
(1) تقدم تخريجه .
(2) تقدم تخريجه .
(3) في " جامعه " ( 664 ) ، وقال : (( حسن غريب )) على أنَّ في إسنادهعبد الله بن عيسى الخزاز ضعيف .
(4) الإحسان ( 3309 ) .
(5) في ( ج ) : (( سواد )) .
(6) أخرجه : ابن أبي عاصم في " الزهد " : 16 ، وأبو نعيم في " حليةالأولياء " 3/135 - 136 .
(7) البقرة : 271 .
وقوله : ((
وصلاةُ الرَّجُلِ في جوف الليل )) ، يعني : أنَّها تُطفئ الخطيئةأيضاً
كالصَّدقة ، ويدلُّ على ذلك ما خرَّجه الإمام أحمد من رواية عُروة
بنالنَّزَّال ، عن معاذ قال : أقبلنا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
من غزوةتبوك، فذكر الحديثَ ، وفيه : (( الصَّومُ جنَّةٌ، والصَّدقةُ وقيامُ
العبد في جوفالليل يُكفر الخطيئة )) ((1)) .
وفي " صحيح مسلم " ((2)) عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليهوسلم -
، قال : (( أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ المكتوبة قيامُ الليل )) .
وقد رُوي عن جماعةٍ من الصحابة : أنَّ الناس يحترقون بالنهار بالذنوب ،
وكلَّماقاموا إلى صلاةٍ من الصَّلوات المكتوبات أطفؤوا ذنوبهم ، ورُوي ذلك
مرفوعاً منوجوهٍ فيها نظرٌ .
فكذلك قيامُ الليل يُكفر الخطايا ؛ لأنَّه أفضلُ نوافل الصلاة ، وفي
" الترمذي " ((3)
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) الصحيح 3/169 ( 1163 ) ( 202 ) و( 203 ) .
(3) الجامع الكبير ( 3549 ) .
وأخرجه : المروزي في " قيام الليل " ( 18 ) ، والروياني في " مسندالصحابة "
( 745 ) ، والشاشي ( 978 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان" ( 3087 ) ، وهذا
حديث ضعيف ،
قال الترمذي : (( غريب لا نعرفه من حديث بلال إلا من هذا الوجه ، ولا يصحّ
من قبل إسناده ؛ وسمعت محمد بن إسماعيل ، يقول : محمد القرشي هو : محمد بن
سعيد الشامي ، وهو : ابن قيس ، وهو : محمد بن حسّان ، وقد ترك
حديثه )) .
) من حديث بلال ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( عليكمبِقيام الليل ،
فإنَّه دأبُ الصالحين قَبلَكُم ، وإنَّ قيامَ الليل قربةٌ إلى الله - عز وجل - ،ومنهاةٌ عن
الإثم ، وتكفيرٌ للسيئات ، ومطردة للدَّاءِ عن الجسد )) . وخرَّجه أيضاً من حديث
أبي أُمامة ((1)) ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بنحوه ، وقال : هو أصحُّمن حديث بلال .
وخرَّجه ابن خزيمة ((2)) والحاكم ((3)) في " صحيحيهما " من حديث أبيأمامة
أيضاً .
وقال ابن مسعود : فضلُ صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على
صدقةالعلانية . وخرَّجه أبو نعيم عنه مرفوعاً ((4)) ، والموقوف ((5)) أصح .
وقد تقدَّم أنَّ صدقة السِّرِّ تُطفئُ الخطيئة ، وتُطفئ غضبَ الرَّبِّ ، فكذلكصلاةُ الليل .
__________
(1) الجامع الكبير ( 3549 م2) .
(2) مختصر المختصر ( 1135 ) ، وقلت في تعليقي هناك : (( هذا الحديث منكر من
منكراتمعاوية بن صالح ، وقد ساقه ابن عدي في كتابه " الكامل " ضمن منكراته
،وقد سبق إلى هذا الإعلال أبو حاتم الرازي فقد قال : (( وهو حديث منكر لم
يروه غيرمعاوية بن صالح ، وأظنه من حديث محمد بن سعيد الشامي الأزدي ؛
فإنَّه يروي هذاالحديث بإسنادٍ آخر )) علل الحديث ( 346 ) )) .
(3) المستدرك 1/308 .
وأخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7466 ) وفي " الأوسط " ،له ( 3265 ) ، والبيهقي 2/502 ، والبغوي ( 922 ) .
(4) في " حلية الأولياء " 4/167 و5/36 .
(5) في " حلية الأولياء " 4/167 و5/36 و7/238 .
وأخرجه: ابن أبي شيبة ( 6610 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 8998 ) و(8999 ) موقوفاً .
وقوله : ((
ثم تلا : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَرَبَّهُمْ
خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُنَفْسٌ
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا
كَانُوايَعْمَلُونَ } ((1)) ، يعني : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -
تلا هاتينالآيتين عندَ ذكره فضلَ صلاة الليل ، ليبيِّنَ بذلك فضل صلاة
الليل ، وقد رُويَ عنأنس أنَّ هذه الآية نزلت في انتظار صلاةِ العشاء ،
خرَّجه الترمذي وصححه ((2)) .ورُوي عنه أنَّه قال في هذه الآية : كانوا
يتنفلون بينَ المغرب والعشاء ، خرَّجهأبو داود ((3)) . وروي نحوه عن بلال ،
خرّجه البزار بإسنادٍ ضعيف ((4)) .
__________
(1) السجدة : 16 – 17 .
(2) في " جامعه " ( 3196 ) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21505 ) .
(3) في " سننه " ( 1322 ) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 21505 ) .
(4) في " مسنده " ( 1364 ) . وفيه عبد الله بن شبيب ، قال عنه الهيثمي ( ضعيف )) . انظر : مجمع الزوائد 7/90 ، وكذا في السند علل أُخر .
وكلُّ هذا
يدخل في عموم لفظ الآية ، فإنَّ الله مدح الذين تتجافى جنوبُهم عنالمضاجع
لدعائه ، فيشملُ ذلك كلَّ مَنْ ترك النَّومَ بالليل لذكر الله ودُعائه
،فيدخلُ فيه مَنْ صلَّى بين العشاءين ، ومن انتظرَ صلاة العشاءِ فلم ينم
حتَّىيُصليها
لاسيما مع حاجته إلى النوم ، ومجاهدة نفسه على تركه لأداء الفريضة ، وقد
قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمنِ انتظرَ صلاةَ العشاء : (( إنَّكم لنتَزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم
الصَّلاة )) ((1)) .
ويدخلُ فيه مَنْ نامَ ثمَّ قام مِنْ نومه باللَّيل للتهجُّدِ ، وهو أفضلُ أنواعالتطوُّع بالصَّلاة مطلقاً .
وربما دخل فيه من ترك النَّوم عندَ طُلوع الفجر ، وقام إلى أداء صلاةِ
الصُّبح ،لاسيما مع غَلَبَةِ النَّوم عليه ، ولهذا يُشرع للمؤذِّن في أذان
الفجر أنْ يقولَفي أذانه : الصَّلاة خَيرٌ مِن النوم .
__________
(1) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 4074 ) ، وأحمد 3/182 و189 و200 و267 ، وعبد بن
حميد ( 1292 ) ، والبخاري 1/150 ( 572 ) و1/168 ( 661 ) و1/214 ( 847 )
و7/201 (5869 ) ، ومسلم 2/116 ( 640 ) ( 222 ) ، وأبو يعلى ( 3313 ) ، وأبو
عوانة 1/303 ،وابن حبان ( 1537 ) ، وأبو نعيم في " المسند المستخرج " (
1423 ) ،والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 6370 ) .
وقوله -
صلى الله عليه وسلم - : (( وصلاةُ الرَّجُلِ من جوف الليل )) ذكرأفضلَ
أوقات التهجُّد بالليل ، وهو جوفُ الليل ، وخرَّج الترمذي ((1))
والنَّسائي((2)) من حديث أبي أمامة ، قال : قيل : يا رسول الله ، أيُّ
الدُّعاء أسمع ؟ قالَ: (( جوفُ الليل الآخرِ ، ودُبُرُ الصَّلوات المكتوبات
)) .
وخرَّجه ابن أبي الدنيا ((3)) ، ولفظه : جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليهوسلم - ، فقال : أيُّ
الصلاة أفضل ؟ قال : (( جوفُ الليل الأوسط )) ، قال : أيُّ الدُّعاء أسمع ؟ قال
: (( دُبر المكتوبات )) .
وخرَّج النَّسائي ((4)) من حديث أبي ذرٍّ قال : سألتُ النَّبيَّ - صلى الله
عليهوسلم - أي الليل خير ؟ قالَ : (( خير الليل جوفه )) . وخرَّج الإمام
أحمد ((5)) منحديث أبي مسلم قال : قلت لأبي ذرٍّ : أيُّ قيام الليل أفضل ؟
قال : سألت النَّبيَّ- صلى الله عليه وسلم - كما سألتني ، فقال :
(( جوفُ اللَّيل الغابر ((6)) ، أو نصف الليل ، وقليلٌ فاعله )) .
__________
(1) في " جامعه " ( 3499 ) ، وقال الترمذي : (( هذا حديث حسن )) علىأنَّ
إسناده قد أعل بالانقطاع فقد أعل سند الحديث ابن القطان فقال : (( اعلم
أنَّما يرويه ابن سابط ، عن أبي أمامة ، هو منقطع لم يسمع منه )) بيان
الوهم والإيهام2/385 ( 387 ) .
(2) في " الكبرى " ( 9936 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له (108 ) .
(3) في " التهجد " ( 240 ) .
(4) في " الكبرى " ( 4216 ) .
وأخرجه : البخاري في " التاريخ الكبير " 2/36 ( 1635 ) ثم ساقه مرسلاً ،وظاهر صنيعه أنَّه أعله بالإرسال .
(5) في " مسنده " 5/179 .
وأخرجه : النسائي في " الكبرى " ( 1308 ) ، وابن حبان ( 2564 ) ،والبيهقي
3/4 ، وإسناده ضعيف المهاجر أبو خالد قال عنه أبو حاتم : (( لين الحديثليس
بذاك ، وليس
بالمتقن ، يكتب حديثه )) ؛ لكن للحديث شواهد تقويه .
(6) أي : الباقي .
وخرَّج
البزار ((1)) ، والطبراني ((2)) من حديث ابنِ عمر ، قال : سُئلَالنَّبيُّ -
صلى الله عليه وسلم - : أيُّ الليل أجوبُ دعوةً ؟ قالَ: (( جوف الليل)) ،
زاد البزار في روايته : (( الآخر )) .
وخرَّج الترمذي ((3)) من حديثِ عمرو بن عبسة ، سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم- يقول
: (( أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن
تكونَممَّن يذكر الله في تلك الساعة فكن )) ، وصححه ، وخرَّجه الإمام أحمد
((4)) ،ولفظه قالَ : قلتُ : يا رسول الله ، أيُّ الساعات أفضلُ ؟ قال : ((
جوفُ الليلالآخر )) وفي روايةٍ ((5)) له أيضاً : قال : (( جوف الليل الآخر
أجوبُه دعوةً )) ،وفي روايةٍ ((6)
__________
(1) كما في " كشف الأستار " ( 3151 ) .
(2) في " الأوسط " ( 3428 ) ، وفي " الصغير " ، له ( 347 ) .
(3) في " جامعه " ( 3579 ) . =
= وأخرجه : النسائي 1/279 وفي " الكبرى " ، له ( 1544 ) ، وابن خزيمة (1147
) ، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1/37 و352 ، والحاكم 1/309 .
(4) في " مسنده " 4/112 و385 .
وأخرجه : ابن سعد في " الطبقات " 4/164 – 165 ، وعبد بن حميد ( 300 ) .
(5) في " مسنده " 4/387 ، وإسناد هذه الرواية ضعيف ، وقد اضطرب راويهاففي بعضها
: (( أوجبه )) .
وأخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 5/154 .
(6) في " مسنده " 4/114 .
وأخرجه : عبد بن حميد ( 297 )، والنسائي 1/279 و283 وفي "الكبرى" ، له (1544 ) و( 1560 ) ، وابن خزيمة ( 1147 ) ، وهو حديث صحيح .
) له : قلتُ : يا رسول الله ، هل مِنْ ساعةٍ أقربُ إلى الله من أخرى ؟ قال (
جوف الليل الآخر ((1)) )) . وخرَّجه ابن ماجه ((2)) ، وعنده : (( جوفُ
اللَّيلالأوسط )) وفي روايةٍ للإمام أحمد ((3)) عن عمرو بن عبسة ، قال :
قلتُ : يا رسولالله ، هل من ساعةٍ أفضلُ من ساعةٍ ؟ قال : (( إنَّ الله
ليتدلَّى في جوف الليل ،فيغفر إلاَّ ما كان من الشرك )) .
وقد قيل : إنَّ جوف الليل إذا أطلق ، فالمرادُ به وسطُه ، وإنْ قيل : جوف
الليلالآخر ، فالمرادُ وسط النِّصف الثاني ، وهو السدسُ الخامسُ من أسداس
الليل ، وهوالوقتُ الذي ورد فيه النزول الإلهي .
__________
(1) من قوله : (( أجوبه دعوة … )) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(2) في " سننه " ( 1251 ) ، وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن طلق وعبد الرحمنبن البيلماني .
(3) في " مسنده " 4/385 ، وإسناده ضعيف لانقطاعه بين سليم بن عامر وعمربن عَبسة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أُخبرك برأسِ الأمر وعموده وذِروةسنامه ؟ )) قلتُ : بلى
يا رسول الله ، قال : (( رأسُ الأمر الإسلام ، وعمودُه الصلاةُ ، وذِروةُ سنامه
الجهادُ )) ، وفي روايةٍ للإمام أحمد من رواية شهر بن حوشب ، عن ابن غَنْمٍ
، عنمعاذ قال : قال لي نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنْ شئتَ
حدَّثتُكبرأسِ هذا الأمرِ وقِوام هذا الأمرِ وذِروة السَّنام )) ، قلتُ :
بلى ، فقال رسولالله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ رأسَ هذا الأمر أنْ
تشهدَ أنْ لا إله إلاالله وحدَه لا شريكَ له ، وأنَّ محمَّداً عبده ورسولُه
، وإنَّ قِوام هذا الأمرإقام الصَّلاة ، وإيتاءُ الزكاة ، وإنَّ ذِروة
السَّنام منه الجهادُ في سبيل الله، إنَّما أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ
حتّى يُقيموا الصّلاة ، ويؤتوا الزَّكاة ،ويشهدوا أنْ لا إله إلا الله ،
وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك ، فقداعتصموا وعصموا دماءهم
وأموالهم إلاَّ بحقِّها ، وحسابُهم على الله - عز وجل - )). وقال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - :
(( والذي نفسُ محمدٍ بيده ، ما شحب وجهٌ ، ولا اغبرَّت قدمٌ في عملٍ يُبتغى
فيهدرجات الجنَّة بعدَ الصلاة المفروضة كجهادٍ في سبيل الله ، ولا ثَقَّلَ
ميزانَعبدٍ كدابَّةٍ تنفق له في سبيل الله ، أو يُحمل عليها في سبيل الله -
عز وجل - ))((1)) .
فأخبر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاثة أشياء : رأس الأمر ، وعموده ،وذروة سنامه .
فأمَّا رأس الأمر ، ويعني بالأمر : الدين الذي بعث به وهو الإسلام ، وقد
جاءتفسيرُه في الرواية الأخرى بالشهادتين ، فمن لم يقرَّ بهما ظاهراً
وباطناً ، فليسَمن الإسلام في شيء .
__________
(1) سبق تخريجه .
وأمَّا قِوام الدين الذي يقومُ به الدِّين كما يقومُ الفسطاطُ على عموده ، فهو
الصلاة ، وفي الرواية الأخرى : (( وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة )) وقد سبق القولُفي أركان الإسلام وارتباط بعضها ببعض .
وأمَّا ذِروة سنامه - وهو أعلى ما فيه وأرفعه - فهو الجهاد ، وهذا يدلُّ
على أنَّهأفضلُ الأعمال بعدَ الفرائض ، كما هو قولُ الإمام أحمد وغيره من
العلماء .
وقوله في رواية الإمام أحمد : (( والذي نفس محمدٍ بيده ما شحب وجهٌ ولا
اغبرَّتقدمٌ في عمل يُبتغى به درجات الجنَّة بعدَ الصَّلاة المفروضة كجهادٍ
في سبيلِ الله- عز وجل - )) يدلُّ على ذلك صريحاً .
وفي " الصحيحين " ((1)) عن أبي ذرٍّ ، قال : قلتُ : يا رسولَ اللهِ ،أيُّ العمل أفضلُ ؟ قال : (( إيمانٌ بالله وجهادٌ في سبيله )) .
وفيهما ((2)) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
((أفضلُ الأعمال إيمانٌ بالله ، ثمَّ جهاد في سبيل الله )) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرةٌ جداً .
وقوله : (( ألا أُخبرك بملاك ذلك كُلِّه )) قلتُ : بلى يا رسول الله ، فأخذ
بلسانهفقال : (( كُفَّ عليك هذا )) إلى آخر الحديث . هذا يدلُّ على أنَّ
كفَّ اللسانوضبطه وحبسه هو أصلُ الخير كُلِّه ، وأنَّ من ملك لسانه ، فقد
ملك أمرهوأحكمه((3)) وضبطه ، وقد سبق الكلامُ على هذا المعنى في شرح حديث :
(( من كان يؤمنبالله واليوم الآخر ، فليقل خيراً ، أو ليصمت )) ((4)) .
وفي شرح حديث : (( قل :آمنتُ باللهِ ، ثم استقم )) ((5)) . وخرَّج البزار
في " مسنده " ((6)
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) أخرجه : البخاري 2/164 ( 1519 ) ، ومسلم 1/61 ( 83 ) ( 135 ) .
(3) سقطت من ( ص ) .
(4) الحديث الخامس عشر .
(5) الحديث الحادي والعشرون .
(6) البحر الزخار ( 2302 ) .
وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 10/300 .
) من حديث أبي اليَسَر((1)) أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله ، دلَّني على عملٍيُدخلني الجنَّة ، قال
: (( أمسك هذا )) ، وأشار إلى لسانه ، فأعادها عليه ، فقال : (( ثكلتك أمُّك ،
هل يَكُبُّ النَّاسَ على مناخرهم في النَّار إلاَّ حصائدُ ألسنتهم )) وقال :إسناده
حسن .
والمرادُ بحصائد الألسنة : جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته ؛ فإنَّ
الإنسانَ يزرعبقوله وعمله((2)) الحسنات والسَّيِّئات ، ثم يَحصُدُ يومَ
القيامة ما زرع ، فمنزرع خيراً من قولٍ أو عملٍ حَصَد الكرامةَ ، ومن زرع
شرَّاً مِنْ قولٍ أو عملٍ حصدغداً النَّدامة .
وظاهرُ حديثِ معاذ يدلُّ على أنَّ أكثر ما يدخل النَّاسُ به النار
النُّطقُبألسنتهم، فإنَّ معصية النُّطق يدخل فيها الشِّركُ وهو أعظمُ
الذنوب عندَ الله -عز وجل - ((3))، ويدخل فيها القولُ على الله بغير علم ،
وهو قرينُ الشِّركِ ،ويدخلُ فيه شهادةُ الزُّور التي عدَلت الإشراك بالله -
عز وجل - ، ويدخلُ فيهاالسِّحر والقذفُ وغيرُ ذلك مِنَ الكبائر والصَّغائر
كالكذب والغيبةِ والنَّميمة ،وسائرُ المعاصي الفعلية لا يخلو غالباً من
قول يقترن بها يكون معيناً عليها .
وفي حديث أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ((
أكثرُ مايُدخِلُ النَّاسَ النارَ الأجوفان : الفمُ والفرجُ )) خرَّجه
الإمام أحمد ((4))والترمذي ((5)) .
وفي " الصحيحين " ((6)
__________
(1) أبو اليَسَر ، بفتح التحتانية والمهملة : كعب بن عمرو بن عباد السَّلمي ،بالفتح ، صحابي بدريٌّ جليل . التقريب ( 5646 ) .
(2) سقطت من ( ص ) .
(3) عبارة : (( عند الله - عز وجل - )) لم ترد في ( ص ) .
(4) في " مسنده " 2/291 و392 و442 .
(5) في " جامعه " ( 2004 ) ، وقال الترمذي : (( صحيح غريب )) .
(6) أخرجه : البخاري 8/125 ( 6477 ) ، ومسلم 8/222 – 223 ( 2988 ) ( 50 ) .
وأخرجه : ابن حبان ( 5707 ) و( 5708 ) ، والبيهقي 8/164 وفي " شعب الإيمان"، له
( 4956 ) .
) عن أبي
هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( إنَّ
الرجلَليتكلَّمُ بالكلمة ما يتبيَّنُ ما فيها ، يَزِلُّ بها في النَّار
أبعدَ ما بينَالمشرق والمغرب )) وخرَّجه الترمذي ((1)) ، ولفظه : (( إنَّ
الرجلَ ليتكلَّمبالكلمة لا يرى بها بأساً ، يهوي بها سبعين خريفاً في النار
)) .
وروى مالك ((2)) ، عن زيد بنِ أسلم ، عن أبيه : أنَّ عمرَ دخل على أبي بكر
الصديقرضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه ، فقال عمر((3)) : مه ، غفر الله لك !
فقال أبوبكرٍ : هذا أوردني الموارد .
وقال ابنُ بريدة : رأيتُ ابنَ عبَّاسٍ آخذاً بلسانه وهو يقول : ويحك ، قُلْ
خيراًتغنم، أو اسكت عن سُوءٍ تسلم، وإلا فاعلم أنَّك ستندم، قال: فقيل له:
يا ابنعبَّاس، لم تقولُ هذا ؟ قال: إنّه بلغني أنَّ الإنسان -أراه قال-
ليس على شيءٍ منجسده أشدُّ حنقاً أو غيظاً يَوْمَ القيامةِ منه على لسانه
إلا من قال به خيراً، أوأملى به خيراً ((4)) .
وكان ابن مسعود يحلِفُ بالله الذي لا إله إلا هو : ما على الأرض شيءٌ
أحوج إلى طولِ سجنٍ من لسان ((5)) .
وقال الحسن : اللسان أميرُ البدن ، فإذا جنى على الأعضاء شيئاً جنت ، وإذا عفَّعفت ((6)) .
__________
(1) في " جامعه " ( 2314 ) ، وقال : (( حسن غريب )) على أنَّ الحديثصحيح .
وأخرجه : أحمد 2/236 و297 و355 ، وابن ماجه ( 3970 ) ، وابن أبي عاصم : 15 و394 ،وأبو يعلى ( 6235 ) ، والحاكم 4/597 .
(2) في " الموطأ " ( 2825 ) برواية الليثي .
(3) لم ترد في ( ص ) .
(4) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 1047 ) ، وأبو نعيم في " حليةالأولياء " 1/327 – 328 .
(5) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 26499 ) ، وهناد بن السري في " الزهد " (1095 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1/134 .
(6) أخرجه : ابن أبي الدنيا في " الصمت " ( 59 ) .
وقال يونس بنُ عبيد : ما رأيتُ أحداً لسانه منه على بالٍ إلا رأيتُ ذلك صلاحاًفي سائر عمله ((1)) .
وقال يحيى بن أبي كثير : ما صلح منطقُ رجل إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله ، ولا فسدمنطقُ رجل قطُّ إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله ((2)) .
وقال المبارك بن فضالة ، عن يونس بن عبيد : لا تجدُ شيئاً مِنَ البرِّ
واحداًيتَّبعه البِرُّ كلّه غيرَ اللسان ، فإنَّك تَجِدُ الرجل يصومُ
النهار ، ويُفطرعلى حرام ، ويقومُ الليل ويشهد بالزور بالنهار - وذكرَ
أشياءَ نحو هذا - ولكن لاتجده لا يتكلَّم إلا بحقٍّ فَيُخالف ذلك عمله
أبداً ((3)) .
__________
(1) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 112 ) ( ط دار الكتب العلمية ) .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 3/68 .
(3) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 113 ) ( ط دار الكتب العلمية ) .