حوى القرآن الكريم أسماء وصفات وإعجاز العديد من الكائنات الحية النباتية وبيان العظمة في خلقها، واليوم نعيش مع النباتات الواردة في قوله تعالى: "فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا" (البقرة/61). وجميع النباتات السابقة نباتات حولية غذائية معجزة.
فالبقل : هو ما لا ينبت أصله وفرعه في الشتاء وقد اشتق من لفظه لفظ الفعل، فقيل بقل: أي نبت.. وأبقل المكان: صار ذا بقل فهو باقل، وبقلتُ البقل: جزرته (مفردات ألفاظ القرآن،الراغب الأصفهاني).
وجاء في معجم النبات من قاموس القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أن البقل اسم يطلق على النباتات العشبية التي يتغذى بها الإنسان أو بجزء منها - الأوراق أو الثمار - من دون تحويله أو تغييره وهي نباتات حولية لا تعيش في الأرض أكثر من أشهر معدودات أي أن دورة حياتها تنتهي في شهور (ط1، ص44).
من التعريفات السابقة نستنتج أن البقل هو النباتات الحولية التي تؤكل سيقانها وأوراقها وجذورها طازجة ومن أمثلتها: الحلبة، والخس، والفجل، واللفت، والجزر والطماطم والبطاطس والبطاطا والفلفل والبسلة والفراولة والباذنجان واللوبيا وغيره . وهي نباتات خضرية مهمة تحتوي الفيتامينات والمعادن والأملاح والكاروتين والمواد الكربوهيدراتية وخاصة السليلوز المقوي للجهاز الهضمي وجميعها مفيدة في تقوية الجهاز المناعي ومقاومة الجسم للأمراض وحمايته من سوء التغذية .وهي نباتات تنتمي إلى عائلات نباتية مختلفة يجمعها أنها نباتات خضراء حولية.
القثاء: القثاء نبات معروف وهو من العائلة القرعية، التي تشمل الكوسة والشمام والبطيخ والفقوس والخيار واليقطين وغيرها، ونباتاتها إما زاحفة على الأرض وإما متسلقة بالمعاليق أو المحاليق (انظر النباتات الزهرية، شكري سعد، صـ 683، وكتاب القرعيات، احمد عبدالمنعم حسن).
والثمرة لبية ذات جدار طري مكون من ثلاث طبقات، بداخلها العديد من البذور، وقد استطاع مزارع كندي إنتاج ثمرة يقطين تزن نصف طن (جريدة أخبار الخليج - البحرين يوم 6/10/2008).
وبعض ثمار القرعيات تؤكل خضراء طازجة كالخيار والقثاء والشمام والبطيخ والفقوس والشهد، وبعضها يؤكل مطبوخا كالكوسة واليقطين وهي تحتوي الفيتامينات والكاروتينات والمعادن والأملاح ونسبة قليلة من الدهون كما ورد في المرجع السابق.
الفوم: اختلف المفسرون في معنى الفوم الوارد في الآية ما بين الثوم والحنطة (أي القمح) والذين يرجحون انه الحنطة يقولون انه من غير المعقول أن يطلب القوم طعاما لا بر فيه (أي لا حنطة فيه) وهو أصل الغذاء ( كما ورد في معجم النبات، صـ 92).
وأنا شخصيا أميل إلى انه الحنطة لأن الثوم قرين البصل ومن نفس العائلة ونفس المواصفات والبصل يغني عن الثوم، والثوم لا يغني عن البصل والآية ذكرت البصل صراحة (وَبَصَلِهَا). والقمح كما قال الدكتور كمال البتانوني حفظه الله في معجم النبات وكما هو معروف أصل الغذاء على الأرض هو والشعير والذرة والأرز والشوفان.
ويحتوي القمح على الدقيق الغني بالكربوهيدرات والقليل من البروتين وبه الدهن والفيتامينات خاصة مجموعة فيتامين ب(B) واستخدامات القمح معلومة للقاصي والداني حيث تؤكل الحبوب طازجة وتؤكل نصف طازجة ومجففة (الفريك) وتؤكل مطبوخة (البليلة وعاشوراء)، وتؤكل مطحونة ومخمرة في المخبوزات والمعكرونة ومن لا يمتلك قوته من القمح والشعير والذرة والأرز يسهل حصاره وتجويعه.
العدس: العدس احد نباتات العائلة البقولية أو القرنية واسمه العلمي Lens esculentus والعائلة البقولية ثاني اكبر عائلة نباتية في المملكة النباتية بعد العائلة المركبة كما أورد الدكتور شكري سعد في كتابه النباتات الزهرية.
والثمرة في العائلة البقولية قرن به البذور، والبذور عديدة أو واحدة في الثمرة الواحدة وهي عديمة الاندوسبرم يتخزن الغذاء في الفلقتين , والمتاع كربلة واحدة تحتوي البويضات في وضع مشيمي حافي وتضم العائلة القرنية أهم نباتات البقول كالفول والفاصوليا والبسلة واللوبيا والحمص والعدس والفول السوداني والترمس والحلبة وفول الصويا كما تحتوي الخروب ومن هنا تظهر أهمية العدس وأخواته في التغذية الإنسانية والحيوانية.
والبصل: نبات معروف اسمه العلمي Allium cepa ينتمي إلى العائلة الزنبقية والبصلة عبارة عن قواعد الأوراق المتشحمة والملتفة حول بعضها، وتحيط الأوراق بالبراعم التي تنشأ عن ساق قرصية يخرج من أسفلها الجذور العرضية الليفية (قاموس النبات من معجم القرآن الكريم، مرجع سابق صـ42).
وقد ذكر الأستاذ الدكتور أحمد عبد المنعم حسن في كتابه البصل والثوم، الدار العربية للنشر والتوزيع (ط1، ص 19، 1988) أن الجنس Allium كان يتبع العائلة الزنبقية إلا انه نقل إلى العائلة النرجسية وتضم هذه العائلة خضراوات أخرى تنتمي جميعا للجنس Allium منها الثوم، والكراث ابوشوشة والكراث المصري (البقل في الخليج العربي) وغيرهم.
أوراق البصل أنبوبية مجوفة ناصلة الخضار, أما أوراق الثوم والكراث المصري والكراث أبوشوشة فأوراقها شريطية مفلطحة وتتميز أوراق الكراث أبوشوشة بأنها عريضة بينما أوراق الثوم والكرات المصري ضيقة، ويميز بينهما بالرائحة المميزة لكل منهما (المرجع السابق ص 19).
ويؤكل البصل الطازج بالكامل ما عدا الجذور ويستعمل البصل الجاف (قواعد الأوراق) طازجا أيضا، كما يطهى مع العديد من الأغذية.
ويتميز البصل بوجود المادة الحريفة وهي صفة تتوقف على محتوى الأبصال من المواد الكبريتية المتطايرة، وهي تتأثر بالرطوبة الأرضية حيث تقل الحرافة مع زيادة الري أو كثرة الأمطار وتزداد الحرافة بازدياد درجة الحرارة، وتقل في البصل المزروع في الأراضي الخفيفة، وتزداد مع تقدم النبات في العمر (المرجع السابق) (ص 97).
ويحتوي البصل على المواد الكربوهيدراتية والألياف والمواد الطيارة، وقليل من البروتين والدهن كما يحتوي الكالسيوم، والفسفور، والحديد، والصوديوم، والبوتاسيوم، وفيتامين (A)، والثيامين، والريبوفلافين، والنياسين، والمغنسيوم، وحمض الاسكوربيك.
وتقتل المادة الحريفة الجراثيم وتمنع إنباتها وتشل نموها، لذلك يعتبر من المواد المطهرة للمعدة والأمعاء والقولون، ورائحة البصل منفرة للناس والملائكة لذلك كان من الهدي النبوي لآكل البصل أن يعتزل المصلين في جماعة، ويعتزل المسجد حفاظا على رائحته أو أن يميت تلك الأبصال طبخا للتخلص من المواد الطيارة.
ومن الأبصال نبات الثوم وهو ثاني أهم نبات في العائلة النرجسية أو العائلة الزنبقية كما سبق، والثوم غني بالمواد الكربوهيدراتية والنياسين والفوسفور كما يحتوي على كميات جيدة من البروتين والكالسيوم والحديد والثيامين والريبوفلافين والمواد الحريفة والزيوت الطيارة وهو مضاد لنمو الفطريات والفيروسات.
من العرض السابق يتضح لنا أن النباتات الواردة في قول الله تعالى: "فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا " (البقرة/61). جميعها نباتات عشبية حولية وهي عامة تفتقر إلى الكميات الكافية من البروتين والدهون وتحتاج إلى مساحة واسعة من الأراضي الزراعية في توسع أفقي وتحتاج إلى خدمة زراعية دائمة، والله عاب على بني إسرائيل استبدال (المن والسلوى) بهذه النباتات لان المن لا يحتاج إلى مجهود والسلوى يحتوي كميات وافرة من المواد البروتينية ذات اللحم الأبيض قليل الضرر وتزرع النباتات الواردة في الآية عادة في القرى الكبيرة والأمصار لان فترة نموها الخضري قصيرة وتحتاج إلى استهلاك سريع لذلك قال الله تعالى لهم: " قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ" (البقرة/61).
والنباتات الواردة في الآية من نعم الله على عباده ولا يمكن الاستهانة بها والتقليل من شأنها وهي ضرورية لصحة الإنسان وغذائه.
بقي أن نقول أن الجذور النابتة من الأبصال الجافة تستخدم في بيان تأثير بعض المواد الكيميائية على عمليات الانقسام وتوزيع الكروموسومات في الخلايا القمية للجذور العرضية للبصل لسهولة فحصها وبيان كروموسوماتها.
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى