منتدى لمسات سورية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    [رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ]

    avatar
    دمشقي محب
    عضو جديد
    عضو جديد


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 29
    نقاط : 87
    السٌّمعَة : 50
    البلد : سورية

    [رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ]  Empty [رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ]

    مُساهمة من طرف دمشقي محب الأربعاء 21 ديسمبر - 4:54

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ }
    (إبراهيم : 40 )


    معنى حرف الجر ( مِن ) في قوله تعالى : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ )


    سئل الشيخ محمد صالح المنجد :

    هل دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ) يصلح لأن يقال كما هو ؟ لورود كلمة " ومن ذريتي " وليست : رب اجعلني مقيم الصلاة وذريتي ؟

    فأجاب حفظه الله

    الحمد لِلَّه

    أولا :
    سياق الآيات في هذا المقطع من سورة إبراهيم عليه السلام ، يصور فيه مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام الضارع الخاشع الذاكر الشاكر ، وهو يدعو ربه الكريم ، ويتذلل بين يديه سبحانه ، ليرد الجاحدين إلى الاعتراف ، ويرد الكافرين إلى الشكر ، ويرد الغافلين إلى الذكر ، ويرد الشاردين من أبنائه إلى سيرة أبيهم لعلهم يقتدون بها ويهتدون .
    يقول سبحانه وتعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء * الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) إبراهيم/35-41

    وقد كان إبراهيم عليه السلام رحيما شفيقا بأمته وذريته ، فلم يكن يفوت فرصة إلا ويسأل الله سبحانه الخير لهم .
    ويبقى السؤال عن سبب مجيء حرف الجر ( مِن ) في قوله : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ) ، ولم يقل ( وذريتي ) .

    اختلف في ذلك المفسرون إلى قولين :

    القول الأول : وهو قول جماهير المفسرين ممن تكلم في هذه المسألة ، أن ( مِن ) هنا للتبعيض ، قالوا وهو تأدب من إبراهيم الخليل عليه السلام في دعائه الله سبحانه وتعالى ، حيث كان يعلم أن حكمة الله اقتضت وجود المؤمن والكافر ، والظالم والمحسن ، فكان دعاؤه مراعيا لما يعلمه من حكمة الله وسنته في خلقه ، كما قال سبحانه : ( وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ) الصافات/113
    يقول الزمخشري في "الكشاف" (1/634) :
    " ( ومن ذريتي ) وبعض ذريتي ، عطفا على المنصوب في ( اجعلني ) ، وإنما بعَّضَ لأنه عَلِمَ بإعلام اللَّهِ أنه يكون في ذريته كفار ، وذلك قوله : ( لا ينال عهدي الظالمين ) " انتهى .
    وانظر : "تفسير البيضاوي" (3/202) ، "تفسير أبي السعود" (5/54) ، "الجلالين" (335) ، "روح المعاني" (13/243)

    وفي القرآن الكريم مواقف عديدة من دعاء إبراهيم عليه السلام وتخصيصه ذريته بشيء من الدعاء ، وفي كل منها يأتي حرف الجر ( مِن )

    فانظر قوله سبحانه في سورة البقرة :
    ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) البقرة/124
    وكذلك قوله سبحانه وتعالى :
    ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/128

    /
    /

    القول الثاني :
    عدم التسليم بكونها للتبعيض ، فقد كان الأنبياء يدعون لأقوامهم بصيغة التعميم وهم يعلمون سنة الله في خلقه حين كتب في الناس المؤمن والكافر وكتب من المؤمنين أيضا من يعذب بسبب ذنوبه في النار ثم يخرج منها ، ولم يكن ذلك اعتداء في الدعاء .

    فهذا نوح عليه السلام يقول : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً ) نوح/28
    وإبراهيم عليه السلام أيضا يقول : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )
    وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول : ( اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ) رواه مسلم (202)

    قالوا والأنبياء يسألون الله أكمل ما يحبون لأنفسهم وذرياتهم وأقوامهم ، وإبراهيم عليه السلام يطمع أن تكون ذريته كلها مُوَحِّدَةً ، تعبد الله وتجتنب الأصنام ، وإن كان الشرك لا بد وأن يكون على الأرض ، ففي غير ذريته .

    يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في تفسيره المتميز "التحرير والتنوير" (7/445) :
    " و ( مِن ) ابتدائية ، وليست للتبعيض ؛ لأن إبراهيم عليه السلام لا يسأل الله إلا أكمل ما يحبه لنفسه ولذريته .

    ويجوز أن تكون ( مِن ) للتبعيض ، بناء على أن الله أعلمه بأن يكون من ذريته فريق يقيمون الصلاة وفريق لا يقيمونها ، أي : لا يؤمنون .
    وهذا وجه ضعيف ؛ لأنه يقتضي أن يكون الدعاء تحصيلا لحاصل ، وهو بعيد ، وكيف وقد قال ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) ولم يقل : ومن بني " انتهى .

    أو يقال إنها لبيان الجنس ، فإن تقدير الآية : ( واجعل من ذريتي مقيمي الصلاة ) ، والمعنى : واجعل جنس ذريتي مقيمي الصلاة ، كقوله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الفتح/29 . انظر "مغني اللبيب" (420-421)

    وهذا الوجه أقرب .

    يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير البقرة 2" (33) في قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) البقرة/124 :
    قوله تعالى: ( وَمِن ذُرِّيَّتِي ) أي واجعل من ذريتي إماماً ؛ وهنا ( مِن ) يحتمل أنها لبيان الجنس ؛ وبناءً على ذلك تصلح ( ذريتي ) لجميع الذرية ؛ يعني: واجعل ذريتي كلهم أئمة ؛ ويحتمل أنها للتبعيض " انتهى .

    ثانيا :
    إذا فهم ما سبق تبين أنه لا بأس للمسلم أن يدعو بالصيغة نفسها التي جاءت في القرآن الكريم ، فقد تبين أنها ليست للتبعيض ، وأن الدعاء بها ينال جميع الذرية .

    والله أعلم


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر - 9:37